شخصيات من بلدي
الشخصية الرابعة عشرة
شخصية معاصرة
الأستاذ موفق الخاني
موفق الخاني ، واحد من تلك الشخصيات التي تحتار في أمر عوالمها و تحت أي تصنيف تضعها ! لتجد نفسك أمام نتيجة حتمية..
موفق الخاني لا يُصنف باختصاص أو تحصيل أكاديمي أو اهتمام علمي أو مهنة امتهنها.. هو قامة تطول عِلماً و أدباً و وطنيةً لتترك بصمةً لا مثيل لها في ذاكرة الملايين.
وإن كانت معرفتنا به مقتصرة على برنامجه الشهير “من الألف إلى الياء”، لكانت معرفة هائلة، غنية، متنوعة على مدى اثنين وأربعين عاماً وهي فترة عرض البرنامج.
في محاولة بسيطة ومتواضعة لتقديم موفق الخاني، يلزمنا صفحات وصفحات نفردها للمرور على عناوين عوالمه التي حلّق بها، دون المرور في التفاصيل، فهو الطّيار والباحث والميكانيكي والصحفي والسينمائي والإعلامي.
دِمشق كانت مسقط رأس موفق بهاء الدين محمود الخاني، الذي أبصر النور في عام 1923.
لم يطل الوقت لتَتكشّف البدايات عن إبداع مبكر، ففي سنّ العاشرة، قام الطالب موفق الخاني في مرحلته الابتدائية في مدينة حماه (1932) بتقديم موضوع إنشائي لأستاذ اللّغة العربية،
الذي قام بِنشره في مجلّة “النواعير” وهو أوّل مقال منشور له.
اهتمامه في التحليق لم يفارقه، مجازياً وحرفياً، والبداية كانت باكرة، بدأت مع ولعه بالطّائرات الشراعية، فقام بتحويلها من هواية إلى واقع حال.
ساهم في تأسيس نادي الطيران الشراعي، وبدأ بصنع نماذج خشبية للطائرات (حينها كانت الطائرات مخصّصة لنقل راكب أو راكبين فقط)، صبّ موفق الخاني جهوده لتحصل سوريا على طائرات تحمل أثني عشر راكباً وقد كان ذلك في العام 1952، لاحقاً ساهم مع رفاقه في تأسيس سلاح الطيران العربيّ السوريّ من 18 طائرة مروحية و 13 طياراً.
في الزمن الذي كانت به سوريا ترزح تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، شارك موفق الخاني الطيّار السوري العسكري في التحرير من الانتداب حين انشقّ بطائرته وانضمَّ إلى الدرك عام 1946، وليختار مع رفاقه لاحقاً يوم 16 تشرين الأول ليكون عيداً للطيران، وهو اليوم الذي استلم به مطار (المزّة) العسكري بعد تحريره، كما ساهم بتأسيس وتجهيز مطار الضمير العسكري.
وكونه من الرائدين في مجال الطيران في سوريا، فمن الطبيعي أن يترك بصمته في كل ما يخص الطيران في تلك المرحلة، لدرجة أنه شارك في وضع شعار الطيران العسكري السوري والموجود على واجهة بناء قيادة القوى الجوية في أبو رمانة.
حلّق بـ “لمياء” فوق سماء فلسطين، و لمياء تلك ليست إلّا طائرته التي سجّل بها أرقاماً قياسية في الطيران العسكري، حيث طار بها ست ساعات قتالية في اليوم، ونال عن ذلك وسام الاستحقاق السوري.
استمرّت خدمته في الجيش لمدّة 22 عاماً، ساهم خلالها بنشر الوعي عن الطيران، وتشجيع الناس في سوريا على ارتياد الطائرات (كانت سوريا حديثة العهد آنذاك بالطيران).
في أيام الوحدة بين سوريا ومصر، قام موفق الخاني بنشر المعلومات عن موضوع الطيران بهدف العلم والتوعية. كان حاله حال أي شخص متنوّر مُقبل على المعرفة، اصطدم بعقليات متحجّرة استغربت شغفه، لا بل حاولت منعه من نشر هكذا ثقافة بحجة أن لا لزوم لها في بلادنا. هذا الأمر لم يثنه بل حثّه أكثر على متابعة جهوده بشكل فردي دون كلل أو ملل. يمارسها هوايةً في الدرجة الأولى ويتّخذها منحىً تعليمياً لكل من أراد أن يبحر في علم الطيران، ليوسع نشاطه في السبعينيات ويدخل إلى المدارس والمعسكرات، ويحاضر وينشر كل ما يملك عن علوم الطيران.
في مقابلة له مع موقع “”Albaathmedia، يتكلّم موفق الخاني بشغف العاشق عن تلك الأيام: “ما زلت أتذكّر عيونَ الأطفال كيف تلمعُ بينما هم يراقبون طيران الطائرة ويتحسّسون اتجاه الرياح. وقلت لهؤلاء الأطفال مرّةً، بقينا نتعلم الطيران ومبادئه لمدّة تفوق العامين في حين أنتم اليوم تتلقون المعلومة جاهزة، وتطبقونها بسرعة، أنتم محظوظون”.
نال شهادة “قائد الفرقة الجوية للجمهورية العربية المتحدة” في عهد الوحدة 1960، والتي عُدّلت إلى شهادة “أركان حرب” أي دكتوراه في العلوم العسكرية.
نال لاحقاً دبلوم “بول تيساندر Diplome Paul Tissandier ” الصّادر عن اتحاد الطيران الرياضي العالمي باعتباره رجل الطيران لعام 1963 في سوريا.
***
في كل مرحلة عمرية من مراحل رحلته الغنية ترك موفق الخاني بصمة مدهشة بحقّ! فبعد أن تم تسريحه برتبة عقيد ركن طيار عام 1963، تم تعيينه مديراً للمؤسسة العامة للسينما للفترة بين عامي 1965 – 1968، قام خلالها بعمل مجموعة من الأفلام التوثيقية البالغة الأهمية، وقام وللمرة الأولى بتصوير المواقع السّياحية السّورية من الجّو. كما توزّعت أفلامه بين تلك التي تكلّمت عن سلاح الطيران السّوري، كذلك فلم عن مؤسسة مياه عين الفيجه، تحدث فيه عن جرّ مياه الشّرب إلى مدينة دمشق، يضاف إلى باقة أفلامه فيلم وثائقي سينمائي عن صناعة النفط في سوريا، مواصفاته ومقاييسه.
***
الباحث في حياة موفق الخاني يُصاب الذهول، عطشه لا يرتوي في رحلة بحث حثيثة عن كل ما يمكن فعله للآخر، مجتمعاً وأفراداً. عرفَته الشّاشة الصغيرة من خلال برنامجه الشهير “من الألف إلى الياء”
الذي بقي يُعرض كُل أسبوعٍ بلا انقطاع طيلة اثنين وأربعين عاماً (1963 – 2004).
تخيّل قناة ناشيونال جيوغرافيك مُختزلة في برنامج بالأبيض والأسود، مُعدٍّ بتقنياتٍ بسيطة، في زمن لم يكن الحصول على المعلومة الموثّقة بالأمر السهل، هكذا كان البرنامج الذي قدّمه وأعدّه بالكامل موفق الخاني.
وأصبح موعد بثّ البرنامج، يوم الخميس السابعة والنصف مساءاً، موعداً مقدّساً تابعه السوريّون بإخلاص شبيه بإخلاص مقدّمه.
تكلّم عن صعوبة البدايات في إحدى لقاءاتِه الصحفية، حيث كان يعتمد على المكتبات الموجودة في المراكز الثّقافية العربية والأجنبية الموجودة، كما كان يصوّر بعض المواضيع بنفسه.
يقول: “كان الأمر أشبه بالنحت على الحجر، فكنت أعمل طوال الأسبوع وفي ربع الساعة الأخيرة أتوجه إلى التلفزيون لأقدم برنامجي على الهواء مباشرة،
حتى إن مخرجة العمل لم تكن تعرف ما هي المادة التي سأقدمها لذلك كان التنسيق بيننا يجري أثناء العرض”.
قام موفّق الخاني بتحويل المادة المتلفزة من برنامجه إلى موسوعة تحمل نفس الاسم، “من الألف إلى الياء”، جاءت على شكل سلسلة،
أبصرت النور بجزئها الأول عام 1992، يصفها هو نفسه بأنّها: “لا تقل أهمّيةً وجودةً وجمالاً عن أيّ مطبوعة أجنبية”.
أشرف الخاني على وضع برنامجه على أقراص مضغوطة، وُزّعت عبر الجمعيات على أكثر من خمسة آلاف مدرسة في سوريا ليستفيد الطّلاب من المادة العلمية التي عمل على توثيقها وتقديمها على مدى أربعة عقود.
قدّم برنامجين آخرين لا يقلّان أهمّيةً وغِنىً وهما: مجلّة العلوم، و مذكّرة وطيّار.
بالتوازي مع عمله في التلفزيون، عَمِل مستشاراً لوزير السياحة بين عامي 1980 – 1985.
توقُّفُ برنامجه وابتعاده عن الشّاشة الصغيرة لم يكن بهدف الرّاحة، بل التفرّغ لمواصلة العمل الفكري.
كتب في مجلّة العربي الكويتية شتى المقالات العلمية والثّقافية، وعَمِل في الجمعية السورية لمكافحةِ السّل والأمراض التّنفسية، كما عمل في مستوصفٍ خيري للتوعية من مرض الإيدز،
وشارك في حملات توعية لاستخدام الطاقة الشمسية، كذلك حملات تدعو للإقلاع عن التدخين.
قد نكون أغفلنا محطّاتٍ لا تقل أهمية عمّا جِئنا على ذكره في سيرة رجل العلم موفق الخاني، إلّا أن الرحلة تطول معه. ربّما يصبح الإيجاز ممكناً حين نأتي على الهدف الذي عمل بلا كللٍ أو مللٍ ليحقّقه وهو:
نشر العلم، الاستدلال عليه من خِلال منهجٍ علميٍّ سليم، والابتعاد عن الحقائق المطلقة والفكر الغيبيّ المغلق.
كُرّم رجل العلم موفق الخاني من قبل جِهات عدّة و وزارات مثل وزارة السياحة، النفط، الثقافة، والصّحة، كذلك مؤسسة المياه، ونقابات المعلمين والفنانين والصحفيين.
تم ترشيح برنامجه “من الألف إلى الياء” لدخول موسوعة غينيس كأقدم برنامج علمي في العالم.
كُرّم في عدة محافل، ونال العديد من الأوسمه، نذكر منها وسام الشرف عام 1960 من ملك كمبوديا.
لا شك أن الكثير قد قيل في موفق الخاني، إلّا أننا وجدنا خلاصةَ القولِ في ما قاله الكاتب “حسن م يوسف”:
“أحسب أن برنامج «من الألف إلى الياء» لعب دوراً في تشجيع مشاهديه على التفكير العلمي أكثر من كل كتب العلوم المقررة في مدارسنا”.
تحية إلى الباحث السوريّ ورجل العلم الفاضل .. تحية إلى مدعاة فخر كل سوري .. مــوفق الخاني.
المصادر:
-لقاء صحفي مع موفق الخاني/جريدة تشرين، بتاريخ2011/1/30
-مقال في البعث ميديا بقلم:عامر فؤاد عامر، بتاريخ2013/11/20
-مقال في صحيفة الوطن بقلم:حسن م يوسف، بتاريخ2013/10/19
– منشورات من صفحات النت
Moutaz Alsawaf
2 سبتمبر، 2014 ·
اﻷستاذ Ahmad Ghazi Anis واﻷستاذ تحسين صباغ في هذه المقالة شعرت بفخر كبير تجاه عائلة والدتي عائلة الخاني واﻷستاذ موفق الخاني الذي تحدثتم عنه هو إبن عم مباشر لوالدتي وإبن عم الشيخ أسامة ووالدتي هي السيدة الفاضلة هناء بنت أحمد بيك الخاني عميد عائلة الخاني ورئيس مجلس التأديب السابق وكان من رجاﻻت عصره ومن أبناء عمومهم الدكتور عﻻء الدين الخاني واﻷستاذ المستشار في رئاسة مجلس الدولة محمد الخاني وهو خال والدتي وماأدراك ما محمد الخاني ووووو أعﻻم كثيرة في عائلة الخاني تفخر بها وترفع بها رأسك بأخﻻقهم وعلومهم وأدبهم وحسبهم ونسبهم وعشرتهم وهذا ماقصدته فأنا عاشرت اﻷستاذ موفق من خﻻل زيارتي لبيت جدي عميد العائلة ومن خﻻل لقائي به في معايدات عائلة الخاني وكنت أتقصد(الدحوشة به) للطفه ورقيه ودماثة خلقه وإبتسامته الجميلة وحديثه الممتع وكان منتبه لذلك خاصة وأنني من عائلة الصواف وأنتم لم تذكروا صفاته الحميدة وعﻻقته مع اﻵخرين وهو بحق رجل علم ومن رجاﻻت عصره ورجل تفخر به عائلة الخاني وﻻتقل أصلي وفصلي وإنما أصل الفتى ماحصل من علم ودين وأخﻻق وعشرة وعمل مشرف وعزة نفس ووووو. في الختام هذه الصفحة من شخصيات من بﻻدي رائعة وحقيقة نحن وهذا الجيل بحاجة لمعرفة أعﻻمنا حتى ﻻنعيش وﻻنستمر في ظﻻم الجهل الذي نعيشه ولﻷسف الشديد.