ترجمة: سماح جعفر
*حوار مع المصور السويدي أندريس بيترسن أجراه المصور جي. أيتش أنغستروم
إيجاد حمى؛ حوار مع أندرس بيترسن
كواحد من أكثر المصورين تأثيراً في السويد، كان أندرس بيترسن ينتج صوراً جريئة وحميمة بالأسود والأبيض منذ أواخر 1960م. وقد نشر كتابه المبدع مقهى ليمتز في عام 1978م ولا يزال يُطبع حتى اليوم. تم تصويره في قاعة البيرة الواقعة في منطقة الضوء الأحمر في هامبورغ على مدى ثلاث سنوات، صور بيترسن في هذا المشروع احتفالات السُكر لمجموعة مشاكسة من الغرباء، واستكشف الحدود بين النشوة واليأس.
في 1960م، درس بيترسن مع زميله السويدي كريستر ستروهيلم الذي اشتهر من خلال مقاربته الشخصية للغاية في التصوير الفوتوغرافي.
مثل ستروهيلم، كان بيترسن لا يتورع عن استخدام سلسلة واسعة من الخبرات البشرية بكل ما فيها من غرور؛ التصوير الفوتوغرافي في السجون ومؤسسات الأمراض العقلية، ودار المسنين. العلاقة الحميمة الحارقة في صوره هي دليل على مقدار الوقت، في كثير من الأحيان السنوات التي يمضيها على كل سلسلة. يصف بيترسن باقتدار هذه العملية ب “إيجاد الحمى: نوع من الاهتزاز بين الناس” هذه الحمى، أو الصدى النفسي، هي أحد الجوانب الأكثر إلحاحاً في عمل بيترسن.
مثل ستروهيلم، كان بيترسن لا يتورع عن استخدام سلسلة واسعة من الخبرات البشرية بكل ما فيها من غرور؛ التصوير الفوتوغرافي في السجون ومؤسسات الأمراض العقلية، ودار المسنين. العلاقة الحميمة الحارقة في صوره هي دليل على مقدار الوقت، في كثير من الأحيان السنوات التي يمضيها على كل سلسلة. يصف بيترسن باقتدار هذه العملية ب “إيجاد الحمى: نوع من الاهتزاز بين الناس” هذه الحمى، أو الصدى النفسي، هي أحد الجوانب الأكثر إلحاحاً في عمل بيترسن.
طلبت Aperture مؤخراً من المصور جي. أيتش. أنغستروم، الذي عمل مساعداً لبيترسن ذات مرة، التحدث معه عن مسيرته ونهجه. الاثنين أنجزا مؤخراً مشروع الكتاب التعاوني “من الوطن“، بالتركيز على منطقة فارملاندز في السويد؛ حصل المشروع على جائزة الكتاب المعاصر في العام الماضي “Recontres d’Arles”. أحدث منشورات بيترسن الصادرة هي، الثلاثة مجلدات “يوميات المدينة“، في تشرين الثاني الماضي من قبل “Steidl”.
*المحررين
بعض أعمال أندرس بيترسن
جي. أيتش. أنغستروم: بينما أنظر إلى صورك الجديدة، أفكر في أول كتاب صنعته، غرونا لند [1973م]. برأيك ما الذي يربط هذه الصور بالعمل الذي قمت به في غرونا لند؟
أندرس بيترسن: الناس. مقابلة الناس، النظر. الناس الجدد. الناس دائماً. أحب الناس.
جي. أيتش. أنغستروم: لكنك قلت أيضاً أن هناك أناس كثيرون في الكتاب الذي تعمل عليه الآن.
أندرس بيترسن: حالياً، أثناء العملية، هناك أناس كثيرون. لو كان هناك أناس كثيرون أجد صعوبة في إيجاد حمى: نوع من الاهتزاز بين الناس. ولكن لو ربطت الناس بالمشهد الطبيعي، بالبنى، بالسماء، الماء، النار، حينها يبدأ شيء في الحدوث. حينها ربما تجد حمى.
جي. أي. إي: الصور في كتبك غرونا لند، ومقهى ليمتز، والثلاث التي تبعتها صنعت في مساحات فردية، محدودة بأربع جداران. لكن في أعمالك الأحدث، مثل [كما بالنسبة لك] و قرب/ بعد [الاثنين 2002]، لم يكن الحال هكذا.
أي. بي: لا، لم يكن الحال هكذا في أعمالي الأحدث. أنا الآن أصور تحت ظروف أكثر حرية. ليس لدي هذا القيد المكاني في أعمالي الأخيرة. إذا كان علي البقاء داخل أربعة جدران، كما فعلت كثيراً في الماضي، كنت لأكرر نفسي فقط. أنا لا أنجذب إلى مثل هذا التكرار.
جي. أي. إي: بمعرفتي لأعمالك وصورك، أعتقد أن هناك فرقًا كبيرًا الآن بعد أن تركت الجدران الأربعة. ولكن من ناحية أخرى ربما الفرق ليس كبيراً. التغيير الأكبر، ربما، هو أن محدودية الجدران الأربعة قد اختفت. هل كانت الجدران الأربعة طريقة لتبسيط عملك؟
أي. بي: بالطبع، نعم. كانت أسهل على هذا النحو: بوجود ضوء متسق، ونفس الأشخاص تقريباً الذين يأتون كل يوم. ولو بنيت نوعاً من التواصل مع الناس، يصبح الأمر أكثر سهولة حتى. ولكن بعد فترة من الوقت يصير أصعب، لأنك تكرر نفسك. لقد لعبت كثيراً مع مجموعات مختلفة من الجدران الأربعة. يجب أن أكون أكثر حرية الآن. لا مزيد من الحدود، أو بالأحرى، قيودي الخاصة فقط الآن.
ولكن الناس لا زالوا يهمونني. لدي طريقتين مختلفتين للتصوير. الأولى هي عندما ألتقي بالناس؛ اللقاء يمكن أن يستمر لساعة أو ثلاثة أيام. . .
جي. أي. إي:. . . مثل العودة إلى المنزل مع شخص ما، والبقاء هناك. . .
أي. بي: نعم، ثم تغادر. وطريقتي الأخرى هي لقطات فقط. القطع هي كلمة جيدة لذلك. أنا أقطع. . . هذا ما يبدو عليه الأمر، لأنه سريع جداً. ثم أقشر الطبقات.
جي. أي. إي: أول كتبك الذي وصل إلى جمهور دولي أوسع كان مقهى ليمتز. يتألف هذا الكتاب من صور فوتوغرافية التقطت في قاعة البيرة في هامبورغ، في حي الضوء الأحمر في ريبربان– هامبورغ. قلت لي ذات مرة أن عملية صنع تلك الصور “وشمتك“. ماذاقصدت؟
أي. بي: كان هناك شعور رائع بالانتماء لشيء ما– بالانتماء للناس الذين أصورهم، للمزاج، والغلاف الجوي. يمكنك أن تجلس هناك، وتشعر بالوحدة التامة. من ناحية أخرى، فقد قبلت كما أنت. وذلك مريح حقاً.
جي. أي. إي: عندما أنظر إلى صورك، وأيضاً عندما أصنع صوراً بنفسي، يجعلني ذلك أفكر: متى بدأ كل شيء حقاً؟ الصور نفسها لا تجعل الأحياء أكثر حدة. إنه فعل التصوير الذي يجعل الحياة أكثر حدة. . . . الناس يقولون أحياناً يمكن للمرء الاختباء وراء الكاميرا. لكنني لا أتفق. أعتقد أنه العكس.
أي. بي: بالنسبة لي، أن تكون مع كاميرا هو أمر أكثر حدة من أن تكون دونها. أتحدث إلى الناس أكثر عندما تكون هناك كاميرا في يدي مما أفعل دونها. ولكن كل هذا بالطبع فردي جداً.
جي. أي. إي: بعد مقهى ليمتز، ذهبت إلى ستوكهولم وبدأت ثلاثية تضم صوراً من سجن، دار للمسنين، ومستشفى للأمراض العقلية. هذه الكتب الثلاثة استغرقت عشر سنوات للإكتمال. ثلاث سنوات لكل كتاب، كل ذلك في أماكن محددة جداً. إنها رحلة طويلة. هل كان قرارك من البداية القيام بذلك باعتباره ثلاثية؟
أي. بي: لا، ليس من البداية. جاء قرار جعلها ثلاثية بعد بعض الوقت. مشروع السجن، Fängelse [سجن. 1984]، كان قراراً واضحاً. أنا غير مهتم بالسجن، حقاً. كنت مهتماً بشعور الحبس. استغرق الأمر بعض الوقت لأكون مقبولاً هناك. . . .
جي. أي. إي: إذا مشروع السجن كان طريقتك للتقرب من أسئلة وجودية معينة؟
أي. بي: هذا صحيح.
جي. أي. إي: هل توصلت إلى ما اردت التوصل إليه وأنت محبوس؟
أي. بي: ليس هناك حرية. كلمة الحرية وما تمثله ما هو إلا خدعة. الطريقة الوحيدة لترتبط بكلمة الحرية هي حين تكون محبوساً: الحرية ليست أعظم من لحظة أن تكون محبوساً. ولكن عندما تكون خارجأً في ما يسمى العالم الحر، ليس هناك حرية. لذا كلها متصلة بالشوق. وهذا أيضاً ينطبق على التصوير الفوتوغرافي، أليس كذلك؟
بعض أعمال بيترسن من السجن
بعض أعمال بيترسن في المصح العقلي
جي. أي. إي: أوافق. بالنسبة لي، كل أعمالك لها جانب وجودي قوي. إنها لا تصف مواضيعك كثيراً. هناك أكثر من ذلك في الصور.
أي. بي: نعم، وهذا يأتي من حقيقة أن أظل دائماً اتواصل مع ما أصوره. لم أبقى أبداً لثلاثة أسابيع ثم أمضي. أبقى لسنوات. عندما تفعل ذلك، تبدأ الأمور في الحدوث.
جي. أي. إي: بعد “قضية الحرية“، انتقلت إلى “قضية الموت” الكتاب الثاني في ثلاثية كان Rågång till Kärleken [على خط الحب؛ 1991]، مع صور ألتقطت في دار للمسنين.
أي. بي: نعم. هذا العمل جعلني أشعر بالحياة جداً. أن تكون قريباً من الموت هو وسيلة للشعور بالحياة. هناك الكثير من الناس لقوا حتفهم بينما كنت هناك، أعتقد أن خمسة وعشرين أو عشرين شخصاً لقوا مصرعهم خلال ثلاث سنوات عملي في هذا المشروع.
جي. أي. إي: هل أفزعك الأمر؟
أي. بي: بالطبع أفزعني.
جي. أي. إي: هل أفزعك هذا لأنك بدأت تفكر في موتك الخاص؟ أو كيف هو الحال عندما تكون مسناً؟
أي. بي: لا حقاً. بدأت أفكر بشكل وجودي أكثر. سألت نفسي أسئلة مثل: من أنا، ولماذا، وماذا أفعل في حياتي؟ . . . شيء واحد أصبح واضحاً بالنسبة لي: أنت في عجلة من أمرك: لا يجب عليك أن تجلس على أريكة، وتنتظر.
جي. أي. إي: الساعة تدق.
أي. بي: بالتأكيد. إذا كان لديك الرؤى، إذا كان لديك هدف، فيجب عليك أن تسرع. الأمر متروك لك. لتقرر أن تعمل. لا يمكنك إلقاء اللوم على أي شخص آخر إذا لم تفعل ذلك. تفكر في هذا عند تمشي في تلك الممرات، وعند تجلس مع هؤلاء المسنين. ما أصبح واضحاً للغاية وحاضراً بالنسبة لي كانت الأحلام، الأسرار، والأشواق التي لدى هؤلاء المسنين. الأمر كالعودة الى الوطن، لعائلة من الأطفال. كانوا أبرياء جداً، ضعفاء جداً.
جي. أي. إي: هل “استسلموا” بطريقة ما؟
جي. أي. إي: الجزء الثالث من ثلاثية، Ingen har sett allt [لا أحد رأى كل شيء؛ 1995]، صنع في مستشفى للأمراض العقلية. كنت أعمل معك حينها، كمساعد، وأتذكر أنك قضيت وقتاً عصيباً.
أي. بي: أعرف. رأيتني أنهار. كل شيء فعلته كان سيئاً جداً. وبقيت بعيداً عن مستشفى الأمراض العقلية لفترة من الوقت. ثم أدركت أخيراً أنه علي أن أفعل العكس تماماً: كان علي العيش هناك، والنوم هناك، جنباً إلى جنب مع المرضى والناس الذين يعملون هناك. وقد سمحوا لي بفعل ذلك، لأنهم رأواني هناك خلال فترة زمنية طويلة، ورأوا الطريقة التي أعمل بها – أمنح الصور وما إلى ذلك– دائماً ما فعلت ذلك. المعيشة والنوم هناك غيرت نهجي. اقتربت أكثر. لأن أشياء كثيرة تحدث ليلاً في المستشفى. يتواصل الناس حينها. يمكنك التحدث كثيراً مع الناس. رأيت الكثير من الأشياء. وبطبيعة الحال، يمكنك أحياناً أيضاً التقاط الصور. ولكن العديد من الصور التي أخذت هناك خضعت للرقابة، من قبل أقارب المرضى، وهلم جرا. عند التقاط الصور في مستشفى للأمراض العقلية النتيجة هي دائماً مجرد غيض من فيض من العمل الذي قمت به هناك.
جي. أي. إي: في كثير من الأحيان عندما أسمع الناس يتحدثون عن الصور الخاصة بك، أدرك أنهم لا يفهمون قيمة العمل الذي وضع فيهم. ليس فقط في العمل الفعلي لأخذ الصورة. أنت حقاً قريب من الناس الذين تصورهم في هذه المشاريع. لفترة طويلة.
أي. بي: هذا صحيح تماماً. التصوير الفوتوغرافي ليس فقط حول “التصوير الفوتوغرافي“.
جي. أي. إي: إذن أثر عملك مع الناس في تغيير طريقة تفكيرك وشعورك حول اهتمامك الأساي: الإنسان؟
أي. بي: ليس هناك فرق كبير بين الحياة والتقاط الصور. هذا هو نهجي. الجواب يكمن في ذلك. لكن الأسئلة تهمني أكثر. أنت في منتصف عمرك، تعيش، تمارس الجنس، تأكل، تنام، والتصوير هو جزء من ذلك. وأنا لا أقول هذا ﻷنني رومانسي. أقول هذا لأن هذه هي الطريقة التي يحدث بها الأمر.
جي. أي. إي: أحياناً أقول إنني لا أذهب إلى أماكن لأصور، بل أصور لأنني في أماكن.
أي. بي: نعم، ولكن عندما تكبر يجب أن تركز. يجب أن تقول لنفسك: هذه الحياة مثيرة للاهتمام. هؤلاء الناس مثيرون للاهتمام. يجب عليك أن تظل منتبهاً وترى ما يحدث. في بعض الأحيان يجب عليك السيطرة على الوضع وجعل حقيقة أنك مصور واضحة. هذه وسيلة لتوجيه نفسك. الصور، مثل الطيور، لا تأتيك أبداً. عليك تحريك مؤخرتك للحصول عليها. لا يمكنك الوقوف هناك فقط، والقول: “عفواً، أنا مصور” عليك أن تكون فيها، وتكون جزءاً منها.
جي. أي. إي: إذاً، فأنت تستمر في العمل، هل تعتقد أن هذا هو ما سوف تستمر في فعله ما دام لديك القوة لرفع الكاميرا؟ بعض المصورين يقل إنتاجهم عندما يتقدمون في السن. ولكنك تعمل الآن أكثر مما كنت عليه قبل عشر أو خمس عشرة سنة.
أي. بي: الأمر مثل القفز على الترامبولين. . . حصلت على الكثير من المرح. التقيت الكثير من الناس. في الواقع، أود لو أفعل أكثر من ذلك.
جي. أي. إي: هذا لأنك لا تفكر كثيراً في مشاريع محددة بعد الآن. فأنت تعيش وتصور في نفس الوقت، وفجأة يكون لديك كومة من الأوراق اللاصقة، وأنت لم تراهم، إذا جاز التعبير.
أي. بي: هذا صحيح.
جي. أي. إي: في كل مرة آتي مختبر ك أذهل من كمية الإنتاج. الصور متناثرة هنا هي لكتابك الجديد، الصادر عن “Steidl”.
أي. بي: نعم، يدعى “يوميات المدينة“. لكنه لم ينته بعد. لا يزال هناك الكثير للقيام به. دائماً.
_
هذه المحادثة ظهرت أصلاً في العدد Aperture # 198، إصدارة ربيع 2010 من المجلة، بينما كان بيترسن يقوم بتحرير العمل الذي أصبح “يوميات المدينة“، نشر الثلاث مجلدات منح جائزة PhotoBook السنة خلال معرض باريس للصور-Aperture Foundation PhotoBook Awards.