تم الإعلان عن تعاون بين المتخصصين في الهندسة في جامعة أوكسفورد، مؤسسة دبي للمستقبل، واليونسكو، ومجموعة من المنظمات؛ بهدف التقاط الملايين من الصور ثلاثية الأبعاد للأغراض المهددة للحفاظ عليها من أجل أجيال المستقبل.
لدينا مشكلة في مجتمعنا. في الواقع، هي مشكلة تتعدى حدود المجتمع، إنها مشكلة عالمية. كل عام، يستسلم المزيد من أنفس التحف البشرية للتقدم بالسن، والتلف مع مرور الزمن. على الأرجح، لا تشكل هذه المعلومة مفاجأة عظيمة لنا، ففي نهاية المطاف، كلنا يعلم بشأن الندبة في وجه أبي الهول في مصر، والثقوب المرقّشة المعشوشبة في حاضرة الإنكا ماتشو بيتشو في البيرو.
في مقابلة أجريت معها مؤخراً، تطرّقت أليكسي كاريناوسكا، مديرة التكنولوجيا في معهد علم الآثار الرقمية، والزميلة الباحثة في كلية ماجدالين، إلى تزايد العنف المرتكب بحق المواقع التي تمتلك مدلولاً تاريخياً وثقافياً هاماً. حيث تؤكد قائلة:
“هنالك وعي متزايد لدى عموم المهتمين بالآثار والتراث الثقافي، لمخاطر مختلف برامج التطهير الثقافي المنظّم، التي نشهد تطبيقها من قبل المنظمات الخبيثة والإرهابية المتنوعة في جميع أنحاء العالم.”
وفي محاولة منهم للحفاظ على هذه التحف، يوجه كاريناوسكا وفريقها جهودهم نحو منقذ محتمل إلى حد ما وهو: التصوير ثلاثي الأبعاد.
إنجاز قاعدة بيانات عن الماضي
في نهاية المطاف، ضمت كاريناوسكا جهودها إلى جانب مؤسسة دبي للمستقبل، واليونسكو، ومجموعة من الشركاء الآخرين بهدف التقاط الملايين من الصور ثلاثية الأبعاد للأشياء المهددة في جميع أنحاء العالم. ستسمح لهم جهودهم، كما يأملون، بإنجاز قاعدة بيانات متاحة للعموم، حيث يمكن لأي كان أن يستخدمها، كونها معدة لأغراض البحث العلمي أو للمتعة ببساطة، للتنزه عبر التاريخ.
وتذكر كاريناوسكا، “إن المواقع التي يتم استهدافها وتدميرها، بعضها موثّق بشكل جيد، ولكن الكثير منها ليس كذلك”. وتضيف؛ “لذلك كان تصورنا عبارة عن مشروع يستخدم تكنولوجيا الكاميرا المجسّمة لتوثيق المواقع المهددة”. وفي نهاية المطاف، يتم رفع الصور المأخوذة عبر بوابة الوب الخاصة بالفريق، لتضاف إلى قاعدة بيانات الصور المليونية مفتوحة المصدر.
الجدير بالذكر، بالنسبة لعملهم في كل منطقة، هو أن الفريق يجند جيشاً من الأشخاص المياومين، وهم أشخاص من السكان الأصليين على دراية بالمنطقة، وبالتالي، يعلمون بشأن المواقع التي تمثل قيمة ثقافية وتاريخية لمجتمعاتهم المحلية.
توضح كاريناوسكا سير العملية كما يلي:
“يقوم [المحليون] بشكل أساسي بالتقاط الصور الفوتوغرافية بكاميرات نزودهم بها، للحصول على صور مجسمة، ومن ثم يعيدونها إلى المملكة المتحدة لمعالجتها”.
إن العملية بسيطة حقاً بقدر ما تبدو، ومع ذلك، ورغم البساطة التي تبدو عليها، إلا أنها تمثل مشروعاً يتطلب وقتاً طويلاً، وبطبيعة الحال، فإن الحفاظ على كافة التحف الأثرية لدينا، يمثل تحدياً هائلاً. ولكن يبدو أن كاريناوسكا وفريقها، متسلحين بأحدث التكنولوجيات، مستعدون بشكل جيد لهذه المهمة. فالكاميرات باهظة الثمن، خفيفة الوزن، غير ملفتة للنظر، وسهلة الاستخدام. في نهاية الأمر، من المقرر توزيع نحو 5,000 كاميرا في 2016 فقط.
توفر هذه التكنولوجيا وتسمح، بمساعدة المنظمات المنضمة، لقاعدة بيانات الصور المليونية بأن تنمو وتكبر أبعد بكثير مما كان مرجواً منها. حيث توضح كاريناوسكا هذا الأمر بقولها؛ “نحن ممتنون جداً للدعم الذي قدمته حكومة الإمارات العربية المتحدة، وشركاءنا الآخرين على كثير من المستويات…دعمهم هذا سمح لنا بتوسيع نطاق المشروع أكبر بكثير مما كنا نتوقع في البداية”.
في النهاية، توحيد الجهود هذا سمح لنا بإنجاز قاعدة بيانات حقيقية للتاريخ. وهو إنجاز تقرّ كاريناوسكا بأنه كان من الصعب تصوره قبل بضعة سنوات فقط.
إنقاذ التاريخ بتكنولوجيا الحاضر
تقول كاريناوسكا: “تمتلك التكنولوجيا الكثير مما تقدمه لخدمة الحفاظ على التراث الثقافي، وتقدير الثقافة…فاليوم نحن قادرون على استخدام تقنيات تحليلية، حتى قبل 10 سنوات، كانت تبدو وكأنها شيء موجود فقط في أفلام ستار تريك. يمكننا استخدام هذه التكنولوجيا لمعرفة عمر الأشياء، ومنشئها، ونوع المادة التي استخدمت في صناعتها، وهلم جرا”.
لتحقيق هذه الغاية، تصف كاريناوسكا العمل بأنه “أداة تكنولوجية للحفاظ على ودراسة التراث الثقافي والآثار”.
وإن تطورت التكنولوجيا بالطريقة التي تتصورها كاريناوسكا، فإن الاستخدام المستقبلي لقاعدة البيانات سيتخطى بكثير حدود البحث العلمي، والتحليل المرئي فقط. حيث تقول في هذا الصدد؛ “في المستقبل، يمكن تطبيق تكنولوجيات مختلفة على الصور الفوتوغرافية، مستخدمة نمذجة معقدة ثلاثية الأبعاد، لتوليد مواضيع للواقع الافتراضي، أو الواقع المعزز منها… كما يمكن استخدامها في ترميم وإعادة بناء هذه المواقع”.
وبالتالي هذه التكنولوجيا لا تسمح لنا بتذكر التحف التاريخية فقط، بل تسمح لنا أيضاً بإعادتها إلى الحياة من جديد بكل معنى الكلمة.