مصورو الحرب في لبنان: متلازمة الخطر والدم
بيروت ــ دجى داود
12 أبريل 2014
عاش المصوّرون الحرب بتفاصيلها. رافقوا المقاتلين، والمهجّرين. تتبّعوا المتاريس ولحقوا خطوط التماس. بعبارة أخرى: وثّق هؤلاء الحرب بصورهم. كان ذلك سبباً كافياً للميليشيات لتستهدفهم. ومن لم تستطع قتله، قامت الميليشيات بإحراق أرشيفه، كما فعلت مع المخرج الراحل كريستيان غازي، فهجّرته من بيته وشردته حتى توفي في الشارع، العام الماضي.
كانت قاسية جداً
لا ينسى المصوّرون ما صوّروه. يتذكّرون تفاصيل المعارك التي وجدوا فيها. بحسرةٍ، يروون تفاصيل ما قاموا به. يعتبر المصوّر رمزي حيدر أنّ مصوّري الحرب الأهليّة امتهنوا التصوير لأنهم لم يملكوا شيئاً آخر. “كانت الحياة المدنيّة معطّلة. كان أمامنا المهجر أو القتال. اخترنا التصوير”، يقول حيدر. تتقاطع أقوال حيدر مع قصّة المصوّر جمال الصعيدي. يروي الأخير أنّه في البداية أراد القتال كما فعل العديد من أصدقائه، لكنّ والده منعه، طالباً منه مساعدة أخوته في التصوير في الاستديو الخاص بالعائلة. حوّل الصعيدي التصوير من فعل داخل غرفة إلى تصوير الحرب. خرج مع من عرفهم من المقاتلين في البداية. صوّرهم يقاتلون خلف المتاريس. ذهب إلى خطوط التماس، ورافق المهجّرين ليروي عبر الصور معاناتهم.
”
رمزي حيدر: العمل الإنساني أهم من التصوير في حال لم يكن هناك مسعفون في المكان
”
بدأ رمزي حيدر التصوير في عام 1977. يؤكّد أن كلّ المعارك كانت خطرة. “الحرب كلّها كانت قاسية، ولا أتذكّر معركة أكثر من أخرى”، يقول لـ”العربي الجديد”. الأمر ذاته يؤكّد عليه جمال الصعيدي: “الحرب كانت صعبة جداً. كلّ الأحداث التي صوّرتها أستطيع تذكّرها جيداً بتواريخها”. ويضيف: “خفت. ارتعبت. لكنّي لم أترك التصوير. التصوير كان أسمى شيء بالنسبة إليّ. كنتُ أسجّل التاريخ في الحرب الأهليّة”.
تعرّض مصوّرو الحرب لأخطار عدّة، أدّت إلى مقتل 7 منهم. أطلق مسلحون النار على حيدر مرّتين ونجا، فيما أصيب الصعيدي مرّتين خلال الحرب، الأولى في انفجار في الطريق الجديدة، والثانية في الحمرا أثناء الاجتياح الإسرائيلي. يجمع حيدر والصعيدي على أنّ العمل أثناء الاجتياح الإسرائيلي كان أكثر خطراً من الحرب الأهليّة. يقول الصعيدي لـ”العربي الجديد”: “اكتشفتُ خطورة العمل أثناء الاجتياح الإسرائيلي الأول عام 1978. الصورة كانت أهمّ في الاجتياح. كنت أحسّ بخطر كبير. كنّا نصل إلى الخطوط الأماميّة لالتقاط الصور ونجد صعوبة في العودة”.
من جهته، يقول حيدر أنّه لم يفكّر بالحياة خلال العمل في أثناء العدوان الإسرائيليّ لأنها كانت قضيّته. “فذهبتُ إلى الجنوب وصوّرتُ المجازر والدمار”. يتكلّم حيدر كثيراً عن المجازر الإسرائيليّة، وخصوصاً أنّه كان سبباً في إنقاذ اثنين من آل العابد بعد المجزرة الإسرائيليّة بحق العائلة في النبطية الفوقا في جنوب لبنان. ويشير إلى أنّ “العمل الإنساني أهم من التصوير في حال لم يكن هناك مسعفون في المكان”.
يتشارك المصوّر أنور عمرو وجهة النظر ذاتها مع الصعيدي وحيدر. بدأ عمرو التصوير في أواخر الحرب في عام 1989. يؤكّد الأخير أنّ الحرب الأهليّة كانت قاسية لكنّه أدرك خطورة العمل كمصوّر في العدوان الإسرائيليّ، وخصوصاً في “عناقيد الغضب” في عام 1993.
شهداء الصحافة
انعكست قساوة الحرب على المصوّرين بشكل بارز، مما أدى إلى استشهاد سبعة. من هؤلاء الياس الجوهري، الذي استشهد في عام 1975 برصاص قناص في منطقة جسر الباشا، وعبد الرزاق السيد الذي استشهد في عام 1982 إثر لغم مضاد للأفراد في منطقة الأسواق التجارية في قلب العاصمة اللبنانيّة، وحبيب ضيا، الذي استشهد في عام 1984 إثر سقوط مروحية للجيش اللبناني كان على متنها.
واستشهد عدنان كركي في العام نفسه إثر قصف على منطقة الظريف، بالإضافة إلى خليل الدهيني، الذي استشهد في عام 1990 برصاص قناص على طريق صيدا القديمة ـ الطيونة، وجورج سمرجيان، الذي استشهد في العام نفسه برصاص قناص في رأسه في منطقة نهر الموت.
”
خسر المصورون خلال الحرب الأهليّة سبعة من زملائهم برصاص الميليشيات
”
يتذكّر رمزي حيدر المصوّرين الشهداء بأسى. يعتبر أنهم لم يأخذوا حقهم تقديراً على ما فعلوه. من جهته، يروي الصعيدي كيف استشهد سامرجيان في معركة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر في منطقة نهر الموت، وكيف تمّ إعلان وقف إطلاق النار من أجله. “تبرّع له المصوّرون بالدم، وكان من بينهم خليل الدهيني، الذي استشهد بعده بـ 15 يوماً في منطقة الشياح.
7 مايو/أيار: مشاهد الحرب تتكرّر
توقف المصوّرون الثلاثة عن تصوير الحرب بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000. لكنّهم عادوا إليها بطريقة أو بأخرى مع العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز من عام 2006، وصوّروا “الحرب الأهليّة الصغيرة” في معارك 7 مايو/أيار عام 2008. أحسّ جمال الصعيدي حينها أنّ الحرب تُفرض من جديد على شباب لبنان. كان مع المصوّر بلال قبلان عندما أطلقت أول رصاصة وقذيفة. قال الصعيدي لقبلان حينها: “هل تتذكّر عندما كنّا هنا في الحرب الأهليّة؟ إنّه المشهد نفسه يتكرّر الآن”.
يعتبر الصعيدي أن أحداث 7 مايو/أيار كانت خطيرة جداً ومؤذية لجيل الشباب، لكن لم يكن هناك قرار إلا بعمليّة محدودة. ويضيف: “الصور تكرّرت وكأنها (فلاش باك). المقنعون ذاتهم. الاختلاف الوحيد هو أنّهم صاروا (بالألوان)”. يؤكّد رمزي حيدر وجه الشبه بين 7 مايو/أيار والحرب الأهليّة. شعر الأخير بالخوف من أن تتكرّر التجربة. لكنّ أنور عمرو لم يرَ ذلك. يقول إن “المشهد يختلف كليّاً، ففي الحرب كنا نصوّر من خلف المتاريس، أما في 7 مايو/أيار فدخلنا إلى الأزقة، ولم نكن نعرف إن كان هذا الطرف مع 8 أو مع 14 آذار”.
”
صوّر جاويش أحد المقاتلين الذي قطعت كفـّاه جرّاء إصابته بقنبلة في الحرب الأهليّة، لكنّه عاد إلى القتال في 7 أيار
”
في عام 2008، كانت تقنيّات الصورة قد تغيّرت. وكان مصوّرون جدد قد دخلوا إلى الساحة. يقول المصوّر في جريدة “السفير”، علي اللمع، أنّ الخوف والرصاص كانا متلازمين أثناء تغطية الاحداث. يروي كيف استغرقت الطريق ليصل إلى مكان الاشتباكات في بيروت ساعة ونصف ساعة بسبب إقفال الطرق بدل دقيقتين في الأيام العاديّة.
في المقابل، يروي المصوّر في وكالة “الأناضول”، بلال جاويش، كيف لمس محاور القتال والقنص في التغطية ذاتها. صوّر جاويش أحد المقاتلين الذي قطعت كفـّاه جرّاء إصابته بقنبلة في الحرب الأهليّة، لكنّه عاد إلى القتال في 7 مايو/أيار. ويعتبر أنّ مشاهد 2008 تعيدنا بالذاكرة إلى أحداث الحرب الأهليّة.
تعرّض جاويش لإطلاق النار مرّتين أثناء تغطيته للاشتباكات حينها. فيما لا يزال المصوّرون يتعرّضون للاعتداءات من قبل الجميع حتى يومنا هذا. ويذكر اللمع كيف مُنع من دخول عدد من المناطق بسبب عمله. وهنا، يؤكّد عمرو أنّ الاعتداءات بدأت تزداد بعد عام 2006، وذلك بسبب الشحن الطائفيّ الذي قامت به حينها عدد من وسائل الإعلام. ويقول جاويش: “سياسة وسائل الإعلام هي التي جعلت الصحافيّ ضعيفاً بعد التعبئة والشحن. الكاميرا أصبحت تجعلنا الحلقة الأضعف”.
يعيش المصوّرون يومياً الحرب الصغيرة. تعدّ مهنتهم من أخطر المهن الموجودة. لكنّ عدداً قليلاً من اللبنانيين يتذكّرهم، فيما تقوم الميليشيات في وقت الحرب والسلم بالاعتداء عليهم. ذاكرة السمكة التي يملكها اللبنانيون هي التي كادت أن تعيد الحرب الأهليّة في عام 2008. فاللبنانيّون مثلاً، يعرفون موعد اندلاع شرارة الحرب الأهليّة في 13 أبريل/نيسان 1975، لكنّ أحداً لا يعرف موعداً دقيقاً لانتهائها.
– See more at: https://www.alaraby.co.uk/medianews/2014/4/12/%D9%85%D8%B5%D9%88%D8%B1%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%AA%D9%84%D8%A7%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85#sthash.bYBlhcC6.dpuf