“عظمة على عظمة يا ست”.. الهتاف الشعبي الأول الذي كان يهز أرجاء المكان في حفلات “الست”، منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى وفاتها، هتاف حفظته الآذان عبر التاريخ، وسجلته كأيقونة صوتية عذبة.
كانت “عظمة” إحدى المفردات التي تماهى معها الفنان التشكيلي المصري محمود سليمان في مجموعته التي أعاد فيها تقديم كوكب الشرق أم كلثوم على طريقته، طريقة خاصة في التصميم وفي إعادة تقديم الرموز الفنية والثقافية في مصر والعالم.
“جاءت أعمال أم كلثوم ضمن ما أطلقتُ عليها “تصميمات الست”، وكان مشروعا مخططا له ولم يأت بالمصادفة”، يقول محمود سليمان لـ”العين”.
سليمان، أو كما يفضل توقيع أعماله بـ”سوليمان”، هو فنان تشكيلي يتعامل مع تصميم الجرافيكس باعتباره أحد الأدوات التي يستعين بها في أعماله، بالإضافة للرسم والتصوير والكولاج والخط العربي. أقبل على عالم الفن التشكيلي منذ صغره “حبي للتماثيل كنت أشاهدها في المعمار القديم في شوارع الإسكندرية، والجاليريهات، كل تلك الفنون كانت تبعث في عيني بريقا خاصا، ونمت معي وزاد إقبالي آنذاك لممارسة الرسم والتصوير”، يقول سليمان.
احتفظ سليمان بركائز شخصية “كوكب الشرق” وحتى سماتها الشكلية بما في ذلك “تسريحة” شعرها الشهيرة، وقرطها الهندسي المميز، ونظاراتها الغامقة، و”إيشاربها” الناعم، ومنح هذا التراث كثيرا من العصرية باستخدامه لـ”بالتة” ألوان شاسعة، وتكوينات بصرية ممتعة أفرد فيها مساحات واسعة للأزهار والنقوش والخط العربي مستخدما طريقة “الكولاج”.
تيمة “الورود” ستجد لها بصمة واضحة في أعمال محمود سليمان، يقول عنها “استخدمت الورد لرمزيته، ودلالاته الحية في الخصوبة وللحياة وكذلك للأنوثة”.
“الفضاء” كذلك من المساحات التي شقّت طريقها في قلب أعماله، لا سيما في إحدى لوحات أم كلثوم وأخرى لفيروز “الفضاء رمز، أحيانا عندما يكون في التصميم شخصية واحدة تملأ الكادر كله، إذن فالفضاء هنا يحاكي “العظمة” المرادفة للشخصية أو كما يطلق عليها البعض شخصية “سوبر”، وهذا ما حدث عندما استخدمته لدى فيروز وأم كلثوم، وفريدا كالو قبل ذلك، أما إذا كانت الشخصية في وسط الكادر وأبعادها صغيرة، فذلك يعبر آنذاك عن التيه والغربة، وأحيانا الشعور بالضآلة، وأننا أقل من نقطة في هذا الفضاء”، يقول سليمان.
تسلل إلى عمق إحدى تصميمات كوكب الشرق، رائعة “الأطلال”، وكأنك تسمع وترى..
أين من عيني حبيب ساحر
فيه نبل وجلال وحياء
واثق الخطوة يمشي ملكاً
ظالم الحسن، شهي الكبرياء
عبق السحر كأنفاس الربى
ساهم الطرف كأحلام المساء
سليمان استخدم هذا المقطع من أغنية أم كلثوم الأشهر “الأطلال” لمحاكاته لروح التصميم “القوة الممزوجة بالحزن والانكسار”، هكذا يراه.
يتحدث الفنان عن التحديات التي يواجهها كأغلب الفنانين، على حد وصفه، وهي أنه يقوم بعرض وجهة نظر فنية مختلفة، كثيرا ما يواجه بسببها معارضة من الناس، ويعتبر أن اختياره لأم كلثوم وغيرها من الشخصيات الفنية الشهيرة جاء لمحاولة تقديم فن “pop art” بصيغة جديدة تجعل الناس تتقرب له وتتفاعل معه، خاصة أن هذا الفن “pop” هو في أساسه “فن من الناس وللناس”.
طرح محمود تصميمات أخرى بنفس أسلوبه الفني الذي لاقى نجاحا كبيرا من جانب المتلقين لأم كلثوم، ما دفعه لتقديم المزيد من علامات وأيقونات الفن والثقافة في العالم العربي، منهم فيروز والكاتبة الراحلة رضوى عاشور، ونجيب سرور، والمطرب الشعبي أحمد عدوية، والمخرج العالمي يوسف شاهين، وكذلك عدد من الفنانين والرسامين العالميين، منهم سلفادور دالي، وفان جوخ، وفريدا كالو.
ويعتبر سليمان أن تقديمه لتلك الشخصيات لا سيما العربية منها هي في المقام الأول لتأثره الشديد وحبه لهم، ومحاولة لتخليد أسمائهم من خلال أعمال فنية جديدة، ومشاركة الجمهور بتناول فني جديد.
يعكف محمود حاليا على مشروع جديد قائم على الرسم التجريدي الذي يعتبر أن تقديمه للجمهور العربي سيكون تحديا جديدا خاصة أنه كثيرا ما لا يتواصل معه بترحاب كبير، الأمر الذي يدفعه لمحاولة إيجاد صيغة لتقديمه بطريقة بسيطة ومحببة.