متحف الفن الحديث.. ذاكرة الإبداع المصري – متاحف عالمية
أخيراً أصبح هناك متحف يجمع أشتات الفن المصري المعاصر. وبات في مقدور أي زائر أن يقرأ تاريخ هذا الفن ومدارسه المختلفة من خلال عشرات اللوحات التي تجسد ذاكرة الفنان المصري بالخط واللون.
مع بدايات هذا القرن تفجرت نهضة تشكيلية جديدة، حيث أنشئت أول مدرسة للفنون الجميلة بالقاهرة عام 1908، وتخرجت أول دفعة منها عام 1911، مرتبطة بمناخ النهضة القومية وجيل التنوير، ومع ظهور عمالقة الفكر والأدب والشعر والموسيقى في الربع الأول من القرن، ظهر أيضا عمالقة في النحت والتصوير والزخرفة والعمارة، ملأت إبداعاتهم سماء مصر توفيق الحكيم للفنان أحمد صبريوغطت جدران القصور والمحافل العامة على السواء، وظهرت “قاعة الفن” .. ذلك الشكل الحضاري الجديد الوافد إليها من أوربا كمكان مخصص لعرض الفنون على العامة في أوقات محددة بعد أن كانت مقصورة على النخبة، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم تتنامى الحركة التشكيلية في مصر وتزدهر، وتدعمها الدولة قدر الإمكان- حسب نظرة كل حكومة إلى الفن والثقافة- بتخصيص القاعات وإعطاء منح التفرغ واقتناء الأعمال الفنية، حتى بلغ عدد القطع المقتناة من الفنانين المصريين في مخازن وزارة الثقافة ثلاثة عشر ألفا، كانت تعاني التكدس في ظلام تلك المخازن ولا يراها الناس.
وفي شهر أكتوبر الماضي أتيح لجانب من هذه الثروة المخزونة أن يرى النور، مع افتتاح متحف الفن الحديث بالقاهرة، كنافذة حضارية يطل عبرها الكافة على إبداع ثلاثة أرباع القرن الحالي والذي صيغ بأنامل خمسمائة من الفنانين المصريين، ويكتمل بهذا المتحف الضلع الناقص في هيكل الحضارة المصرية، حيث يصبح لمصر حاضرها التشكيلي الذي تواجه به العالم وتزهو به كحلقة في سلسلة تطورها وإبداعها، ولغة عالمية يفهمها الإنسان في كل مكان، تخاطب الوجدان والعقل بالكتل والحروف والألوان.
نظرة على ماضي المتحف
والحق أن هذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها لمصر متحف للفن الحديث، فقد كان لها منذ الثلاثينيات متحف بهذا الاسم، تنقل مبناه بين أماكن مختلفة بوسط القاهرة، حتى استقر عام 1937 بسراي تجران قرب ميدان التحرير، ملاصقا لقصر السيدة هدى شعراوي راعية الفن والثقافة آنذاك، التي وهبت قصرها ليكون امتدادا للمتحف، وقد تولى رئاسته أبرز قادة الفن ورواده الأول في مصر، ابتداء من محمد ناجي (مؤسس فن التصوير المصري الحديث 1888- 1956) ثم يوسف كامل (رائد التصوير الانطباعي بمصر، 1891- 1971)، ثم راغب عياد (رائد الاتجاه التعبيري الشعبي 1892- 983) ثم صلاح طاهر (من رواد الحداثة- 1912) وأخيرا سعد الخادم (رائد الفنون الشعبية في التشكيل 1913-1987).. حتى صدر قرار في أواسط الستينيات سوق القرية.. راغب عيادبهدم هذا المبنى لينشأ مكانه مجمع سياحي وتجاري ضخم، ونقلت مقتنيات المتحف- من أعمال الفنانين المصريين- إلى فيللا صغيرة بحي الدقي وحفظت بصورة أقرب إلى التخزين، أما أعمال الفنانين الأوربيين التي كان المتحف يقتني منها قطعا عالمية نادرة، فقد نقلت إلى متحف الجزيرة وخزنت بدورها في ظروف غير ملائمة لأسباب لا يتسع المجال لشرحها. والطريف أن أرض المتحف القديم لا تزال خالية حتى اليوم، بعد أن تعثر مشروع بناء المجمع السياحي، فيما ظلت مقتنيات “فيلا الدقي” تتزايد عاما بعد عام.
وخلال ربع القرن الماضي منذ هدم المتحف القديم، لم يكف الفنانون عن المطالبة ببناء متحف جديد، إلى أن استجابت وزارة الثقافة لمطلبهم عام 1984، وقررت تحويل إحدى سرايات أرض المعارض بالجزيرة لهذا الغرض، ليكون المتحف فى رحاب منطقة الأوبرا ونقابة التشكيليين، وقد بنيت هذه السراى في الأصل عام 1935 ضمن أبنية المعرض الزراعى الصناعي الدولي، وتوالت على عمليات إعداد المتحف الجديد عدة حكومات ووزارات للثقافة، لم تبخل بالأموال اللازمة له، حتى بلغت جملة تكاليفه سبعة ملايين جنيه، ليكون على مستوى المتاحف العصرية من حيث نظم العرض والإضاءة والتهوية والأمن والتخزين والأجهزة التكنولوجية والترميم. وكانت وراء هذا المشروع جهود عشرات الجنود المجهولين بالمركز القومي للفنون التشكيلية، مع عدد من كبار الفنانين والنقاد كانوا بمثابة هيئة استشارية تعاونت في الآونة الأخيرة مع قادة المشروع. وينبغي أن يذكر للوزير المرحوم عبد الحميد رضوان دوره في تبنيه عام 1984، وللفنان مصطفى عبد المعطي دوره في تنفيذ مراحله الأولى، قبل أن يتسلم الوزير الفنان فاروق حسني مهام منصبه عام 1987 ويكمل- المسيرة مع الفنان أحمد نوار رئيس المركز القومي للفنون التشكيلية.
جيل الرواد
يضم المتحف خمسة أجيال على طريق الحركة الفنية منذ نشأتها.. وعلى رأسها جيل الرواد الأوائل من خريجي الدفعة الأولى بمدرسة الفنون الجميلة 1911. فهناك المثال محمود مختار (1891- 1934) الذي تزين تماثيله الجرانيتية الضخمة عدة ميادين بالقاهرة والإسكندرية، فضلا عن متحفه الخاص المقام بأرض الجزيرة منذ ثلاثين عاما، والمصور أحمد صبري (1889- 1955) الذي أقيمت له داخل المتحف الجديد قاعة خاصة تبرز عبقريته في فن ” البورتريه “، والمصورون يوسف كامل وراغب عياد ومحمد حسن وعلى الأهواني، إضافة إلى مصورين كبيرين من أبناء الإسكندرية دخلا ساحة الفن التشكيلي من غير طريق المدرسة، لكن بصماتهما لا تقل قوة وتأثيرا على الحركة الفنية عن أبناء تلك المدرسة، وهما محمد ناجي، ومحمود سعيد (1897- 1964) اللذان درسا القانون، وعمل أولهما في السلك الدبلوماسي وعمل الآخر في السلك القضائي قاضيا ومستشارا، لكن مواهبهما تغلبت على أي اهتمام آخر، فاستقالا من وظائفهما وتفرغا للفن، واليوم يوجد لكل منهما متحف خاص بأعماله، وقد جدد متحف ناجي بمنطقة أهرام الجيزة وأعيد افتتاحه أخيرا بعد أن أصبح نموذجا راقيا للمتاحف الفردية، أما متحف سعيد بالإسكندرية فمازال العمل جاريا في ترميمه وتطويره منذ عدة سنوات.
وعظمة هذا الجيل لا تكمن فحسب في إرسائه أسس الفن الحديث لمصر بتقاليد جديدة على الذوق المصري في أوائل القرن على أرضية من الثقافة الأوربية التي لازمت كل أوجه الثقافة همسات للفنان يوسف كاملالمصرية آنذاك، بل تكمن أيضا في قدرته على وصل هذا الإبداع الجديد بتيار المياه الجوفية للإنسان المصري وحضارته الممتدة عبر آلاف السنن، فكان تأكيد الهوية القومية هو القاسم المشترك الأعظم بين أبناء الجيل جميعا، متناغما ومتفاعلا مع حركة البعث القومي ومناخ النهضة والتنوير منذ مطلع القرن، ومن ثم أصبحت لوحاتهم وتماثيلهم صروحا شامخة دعمت مسعى الأمة لتحقيق استقلالها، ورموزا حية لروح البعث الحضاري وإرادة امتلاك المصير واللحاق بالعصر الحديث.. وهكذا تجلت في أعمالهم- برؤى مختلفة- معاني الاعتداد والصلابة والعطاء “، متمثلة في الفلاحة المصرية التي تذكرنا بالفن المصري القديم، وتجلت فيها معاني العمل والكفاح والمقاومة وجمال الطبيعة والحياة الشعبية، بتقاليدها الراسخة وروحها المرحة المتفائلة، حتى البورتريهات التي صوروها لأبناء الطبقة الأرستقراطية كانت تتسم بالنبل والمهابة والشاعرية، وتنم عن نفوس سمحة متحضرة تقف بندية أمام نظيراتها في الفن الأوربي.
وتنوعت أساليبهم بين الوقار الكلاسيكي الرصين (عند صبري ومحمد حسن) والرومانسية الممزوجة برحيق التاريخ الفرعون والروماني المصري (عند مختار) والانطباعية المشعشعة بألق الضوء ولمسات الألوان المرتعشة (عند يوسف كامل) والتعبيرية الساخرة عن حياة القرية والفئات الشعبية بخطوط تستوحي التصوير المصري القديم (عند راغب عياد)، ومنهم من جمع ذلك كله في مزيج متفرد بسمات الشخصية القومية (ناجي وسعيد)…
وفي رحاب هذا الجيل تفتحت ملكات عدد من الفنانين في مجال التصوير بالألوان المائية لا تقل تمكنا وشاعرية عن فن المناظر الطبيعية بالمائيات في إنجلترا- منهم حبيب جورجي ونحميا سعد.
ومن عباءة هذا الجيل أيضا خرج جيل جديد من النحاتين والرسامين في الثلاثينيات، ظل أمينا على تقاليد أساتذته، متحفظا في اشتقاق أساليب جديدة أو فتح نوافذ واسعة على حركة الفن العالمي الحديث، لكنهم- في المقابل- كرسوا طاقاتهم ومواهبهم الخصبة لتجويد مهاراتهم، وشق الطرق للتواصل بينهم وبين الجمهور من خلال الأبنية والمرافق العامة (مثل أعمال النحت البارز للمثالين أحمد عثمان ومنصور فرج على جدران عدد من محطات السكك الحديدية وحديقة الحيوان بالجيزة وحدائق الميريلاند بمصر الجديدة، ومثل تماثيل إبراهيم جابر في المتحف الزراعى بالدقي). كما أكدوا ارتباطهم بالحركة الوطنية والفكرية من خلال تخليد بعض الزعماء والقادة والمفكرين بتماثيل نصفية (مثل تماثيل عبد القادر رزق)، وأخيرا أكدوا تواصلهم مع المجتمع من خلال الرسوم الصحفية للكتب والمجلات (مثل رسوم حسين بيكار والحسين فوزي) والإخراج الفني الجيد للمجلات والمطبوعات (مثل إنجازات عبدالسلام الشريف).
الفن والحرية
وعلى عكس جيل الوسط، جاء الجيل الثالث، منذ أوائل الأربعينيات، متمردا على الجيلين السابقين اللذين فقدا- في نظر أبناء هذا الجيل- روح الخلق والابتكار، ودارا في فلك الأكاديمية الجامدة التي تقتفي آثار الأساليب المستهلكة وهي تحاكي مظاهر الحياة والطبيعة الخارجية سعيا إلى تزيينها بجمال زائف إرضاء للطبقات المهيمنة آنذاك… ورأى هؤلاء الشباب الثوريون أن الفن ينبغي أن ينبع من داخل النفس بتفاعلاتها ومخزونها في العقل الباطن، وأن يرتبط في نفس الوقت بالتحولات الدرامية الهائلة التي تزلزل العالم (وكانت الحرب العالمية قد اشتعل أوارها) ووجدوا في المدرسة السريالية بأوربا وأفكار فرويد وأشعار أندريه بريتون وبول إيلوار، الإطار الذي يستوعب حامد ندارؤاهم التعبيرية وأساليبهم التحررية، كما وجددا أنهم لن يستطيعوا كفنانين شبان في العشرينيات من أعمارهم في ذلك الوقت، أن يثبتوا وجودهم فرادى أمام فطاحل الحركة الفنية الذين يهيمنون على مقدراتها ويرفضون اتجاه هذا الجيل الثائر على كل شيء، ابتداء من الأساليب الفنية حتى النظم السياسية، ولم يكن أمام أبناء الجيل الجديد إلا تكوين جماعات فنية مستقلة تضم شملهم وتكسبهم قوة أمام المجتمع عندما يواجهونه بصدمات معارضهم الجماعية.
وكانت أول جماعة على هذا الطريق هي ” الفن والحرية” التي تأسست عام 1939 وأقامت معرضها الأول عام 1940 بزعامة ثلاثة من الفنانين الشبان هم رمسيس يونان وكامل التلمساني وفؤاد كامل، ومع تزايد عددهم وتأثيرهم في الحركة الفنية والثقافية وانضمام كثير من الشعراء والمفكرين والموسيقيين إليهم وتصاعد نبرتهم الثورية المعادية للديكتاتورية والاستغلال والتخلف أصبحوا مستهدفين من السلطات الحاكمة، وتعرضوا لمطاردة أجهزة الأمن وإغلاق صحيفتهم “التطور” ومصادرة كتبهم، حتى انفرط عقدهم في أواسط الأربعينيات، لكنهم واصلوا إنتاجهم فيما بعد كأفراد، وقد نجحت حركتهم في إطلاق مواهب جديدة لعبقريات تألقت من خلال معارضهم مثل إنجي أفلاطون ومنير كنعان وسامي على حسن.
وما لبثت أن ظهرت في الساحة جماعة أخرى من الفنانين الشبان 1946 تحت اسم ” جماعة الفن المعاصر” بقيادة حسين يوسف أمين، اتخذت أيضا من السريالية أسلوبا، ومن التراث الشعبي والرموز السحرية والأسطورية الكامنة في الوجدان الجمعي موضوعا ومنطلقا، ومن كشف أوجه القهر والتخلف مضمونا لأعمالهم، متطلعين إلى مجتمع جديد يحقق للإنسان إنسانيته حامد عويسوتقدمه.. وكان من فرسان هذه الجماعة: عبد الهادي الجزار وحامد ندا وماهر رائف وسمير رافع. وقد تطورت رؤاهم وأدواتهم مع الزمن واتخذوا مسارات شتى أثرت حركة الفن الحديث وساعدت على ظهور اتجاهات جديدة لأجيال متعاقبة. ولعل أصداء هذه التجربة كانت من عوامل بزوغ جماعة ثالثة في أواخر الأربعينيات هي “جماعة الفن الحديث”، تسلحت بموقف سياسي ينحو نحو التغيير الاجتماعي والثوري، وسعت إلى امتلاك أساليب جديدة أكثر تلاحما مع المجتمع بطبقاته الشعبية، فيما تزودت برؤى الفن الحديث في الغرب، مثل التعبيرية والرمزية والتكعيبية والتجريدية، وكان من بين فرسان هذه الجماعة: النحات جمال السجيني والمصورون حامد عويس وسعد الخادم ويوسف سيده وعز الدين حموده وزينب عبدالحميد وجاذبية سرى. ولم تقتصر نزعات التجديد والتحرر لدى ذلك الجيل على أصحاب الجماعات الفنية، بل انطلقت على ضفافها مواهب أخرى لا تقل ثورية ومقدرة وتأثيرا فى الأجيال التالية، مثل حامد عبد الله وتحية حليم وعفت ناجي وسيف وأدهم وانلى وغيرهم، ممن رفضوا السير على الطرق المعبدة وآثروا أن يشقوا- مستقلين- طرقا جديدة، في مخاطرات إبداعية أثبتت وجودها بجدارة في المحافل الدولية.
الاقتراب من التجريد
أما عقد الستينيات فقد جمع بين نضج ملكات الجيل السابق (جيل الجماعات الفنية) وبلوغه ذرى عطائه الإبداعي، وبين بزوغ ملكات جديدة تميزت بحرية أكبر في التفاعل مع اتجاهات الفن الغربي الحديث وابتكار أشكال وخامات وأساليب جديدة للأعمال الفنية، وفي الاقتراب من عالم التجريد أو من التعبيرية الخيالية، كما نجد في زيتيات صلاح طاهر وسيف وانلي، وتماثيل كمال خليفة وأحمد عبدالوهاب، ومنحوتات الحديد الخردة لصلاح عبدالكريم، ولوحات سيد عبدالرسول وحسن سليمان وممدوح عمار وزكريا الزيني في سعيها لإعادة صياغة الواقع العيني والرؤى الشعبية في علاقات جمالية جديدة، وفي تجارب رمزي مصطفى في اقترابها الحميم من البيئة الشعبية بزخارفها المثيرة، وفي أعمال الفنانين الحروفيين في بحثها عن موسيقية الخطوط والتكوين مثل أعمال حامد عبدالله ويوسف سيده وكال السراج وحسين الجبالي.
وفي الستينيات تميزت- على طريق التجريد- لوحات أبو خليل لطفي ومصطفى الأرناؤوطي في بحثها عن علاقات جمالية هندسية، وأكدت “جماعة التجريبيين” بالإسكندرية وجودها بفنانيها الثلاثة مصطفى عبد المعطي وسعيد العدوي ومحمود عبد الله من خلال معارضها المتوالية، الخبز للفنان محمد ناجيمتطلعة إلى اكتشاف لغة تشكيلية جديدة تتخطى الأنماط الشائعة في مصر وتواكب مسار العصر الحديث، وعلى الطريق ذاته تفتحت رؤى طه حسين وصالح رضا وعمر النجدي وأحمد فؤاد سليم وعبدالرحمن النشار، مجتهدة في البحث عن صيغة تجمع بين المؤثرات التراثية والمؤثرات التجريدية في الفن الحديث. ومن جعبة هذه الاجتهادات وغيرها تفتحت رؤى جيل لاحق في محاولة لإضفاء جو أسطوري مضفر بملامح البيئة الشعبية والحضارات المصرية القديمة في أعمال فرغلي عبدالحفيظ ومصطفى الرزاز وعبد الحميد الدواخلي وأحمد نبيل وصبري منصور وأحمد نوار.
وتواكب مع هؤلاء فنانون جعلوا هدفهم التعبير عن ملامح الطبيعة وأجواء البيئة الريفية والشعبية، بحس يتراوح بين الواقعية الوصفية والزخرفة الفلكلورية والعودة إلى التراث القديم محافظين على التشخيص ووحدة المكان، منهم المثالون محيي الدين طاهر ومحمد مصطفى وحسن العاجاتي، والمصورون جمال محمود ورفعت أحمد ومحمد حسنين على وأحمد الرشيدي وكمال يكنور وعلى دسوقي.
ولا يتسع المجال لاستعراض جميع الاتجاهات والأسماء المؤثرة في مسار الحركة التشكيلية في مصر، ضمن جيلى السبعينيات والثمانينيات، اللذين يضم إبداعاتهم متحف الفن الحديث، حسبنا أننا أطلقنا بعض الومضات الخاطفة على محتوياته التي بلغت- كما ذكرنا- ثلاثة عشر ألف قطعة فنية، والتي تجمع بين قطع الذهب المتوهجة وقطع الصفيح الصدئة!
لكن الحكم الحقيقي عليها يبقى للأجيال القادمة، أو رهنا بظهور نقاد نقاة موهوبين يملكون نفاذ البصيرة والقدرة على الحكم.. ولنذكر أنه في غيبة هذا (المتحف / الذاكرة) لن يكون في الإمكان ظهور مثل هذا الناقد، وصدور حكم التاريخ، لكن حسبنا أن تضئ اليوم تلك المنارة الجمالية لتبدد أستار القتامة في حياتنا.