لا أجزم عبثاً بأن “رسالة الفنّ ” وصلت في هذه الأيّام مستوىً رفيعاً من الانحطاط الأخلاقي والمهني ، وأجزم يقيناً بإن البعض سوف يعارضني الرأي على ما أكتب ، لكن مع ما نلمسه ونعيشه اليوم من مخلفات المدارس الوضعية التي لا دور لها في الحياة الفنية ” الواقعية ” ومن روادها المتلونين ، فإن مدارسهم وما يروّجون له انما هو دليل ثابت لتاريخ الإنحراف في المسيرة الفنية وانحدار مفاهيمها إلى معان بعيدة كل البعد عن ما يحتّمه علينا معتقدنا السّماوي وأخلاقنا وموروثاتنا الثقافية والاجتماعية والإنسانية. لذا توجب علينا إعادة النظر فيما نحن فيه وتوضيح التغيير الذي طرأ ويطرأ على عموم المدلولات والمفاهيم الفنية الرسالية ، وتصحيح المسار للحفاظ على ما تبقى من صدقٍ فنّيٍ عبر استنكارنا لجميع أشكال ومراحل تدنيس الرسالة الخالدة للفّن الإنساني ، وعدم الترويج لها إنما محاربتها بطريقةٍ وأسلوب إنسانيٍ واعٍ و الأيام القادمة هي الكفيلة بإسقاط الموبقات وكل الشبهات التي يحاول البعض من خلالها تدنيس هذه الرسالة. لذا أُهيب بالجميع أن يضعوا نصب أعينهم ما آلت إليه الرسالة الفنية والمحاولات الكثيرة الداعية إلى خلخلة أركانها الإنسانية، وأن لا ننصاع خلف ما يدعو إليه أصحاب الخط الأعوج ومدارسهم المشينة للفنّ ورسالته ودعونا نستذكر ” كروتشه ” الذي خسر الرهان في مفهومه عن الفنّ عندما قال ” إنّ الفنّ يقصد ذاته في ذاته و لا يخضع لأيٍ من القيم الأخلاقية أو الاجتماعية السائدة”. إن رسالة أي فنّان تنبع من مجتمعه وسلوكياته وعقيدته وما يؤمن به ، إذآ فإنّ الفن من المجتمع وللمجتمع وهذا هو المفهوم الصحيح الذي يدلل على الحقيقة السّوية للفنّ ورسالة الفنّان وما يعكس مضمونه وغاياته وأهدافه لخدمة إنسانيته ، يقول جوستاف كوربيه (1819 – 1877م) أحد رواد المدرسة الواقعية بالفنّ (” لم يكن هدفي الوصول إلى أن الفنّ للفنّ أبداً كلا ولا أن أكون فنّاناً مُصوراً فقط ، إنّما إنسان وبكلمة واحدة أن أعمل فناً حياً ” ) كوربيه ” الذي ولد لأبٍ مزارع ,ذهب لدراسة الحقوق في باريس عام 1840 ، ولكنه سرعان ما ترك الدراسة ليتجه الي دراسة الفنون الجميلة التي كان مغرما بها وبدأ بتعلم الرسم من خلال المراسم الحرة في سويسرا، حيث كان يرسم نماذج للموديلات ورسومات تمثل الطبيعة . وامامنا هنا نموذجان يختلفان فيما بينهما من حيث التوجه والرسالة فمنهم من خسر ومنهم من خلدته رسالته الانسانية الصادقة. فمن اراد الخلود عليه ان يختار رسالته ومنهجه. وختاما فالفنّ له دوره الرّيادي في بناء وتقويم المجتمع وتطويره والفنّان صاحب الرسالة هو ابن هذا المجتمع الذي يستمد من ميدانه حياة رسالته الاجتماعية والتاريخية والأخلاقية والثقافية يصوغها بسريرته النّقية وجوارحه الفطِنة ووجدانه الحيّ.
عبدالرسول الجابري
المقال يعبر عن وجهة نظري الشخصية.*