اتخذ تجريد شكل الإنسان أشكالاً متعددة عبر تاريخ الفن، بداية من أشكال لوحات بيكاسو التكعيبية إلى منحوتات هنري مور. وفي مجال التصوير الفوتوغرافي، يمكن أن تقدم إلينا الصور الشخصية المجردة واقعًا مختلفًا عن الوجوه والأجسام التي اعتدنا رؤيتها يوميًا. والجميل أن هذا النوع من التصوير لا يفرض أي قواعد ولا يتطلب الوضوح والدقة. وهذا يسمح لنا بالتركيز على استحضار المفاهيم والعواطف عبر صورنا بدلاً من محاولة التقاط تمثيل دقيق لأهدافنا. ومن ناحية أخرى، يشكل هذا النوع من التصوير اختبارًا لمهاراتنا في استخدام الكاميرات وفرصة لتجربة أمور جديدة والتبديل بين الميزات لتحقيق إمكانات لا حصر لها.

على سبيل المثال، لمَ لا تُنشئ أنماطًا مثيرة للاهتمام من الضوء والظلال على الهدف الذي تصوره؟ كل ما تحتاج إليه لفعل ذلك هو شيء فيه فتحات أو ثقوب تسمح بدخول الضوء. وتسمى هذه الأنواع من حواجز الضوء “غوبو”، أي (الدخول بين تفاصيل الأشياء). وعلى الأغلب أنك ستتمكن من العثور على كثير من الأشياء حول المنزل يمكن أن تستخدمها لهذا الغرض. فالبطانيات المنسوجة بنمط فضفاض أو أغطية الرادياتير أو الستائر المضلعة أو المصافي أو حتى فروع الأشجار أو طاولات الحدائق المعدنية في الخارج كلها تشكل خياراتٍ جيدة يمكن الاستعانة بها. استخدمنا هنا قالبًا لنمط ماندالا الدائري. ويمكنك بالطبع أيضًا صنع حواجز غوبو مخصصة باستخدام ورقة كرتون وسكين للأعمال الفنية.

ويكمن سر تكوين ظلال واضحة المعالم بفضل حاجز غوبو في استخدام مصدر ضوء قوي عند الحواف. وتشكل أشعة الشمس المباشرة مصدر ضوء مثاليًا لهذه الأغراض، ولكن يمكنك أيضًا استخدام كشاف أو مصباح مكشوف أو وحدة فلاش Speedlite. وكلما كان مصدر الضوء أصغر، ظهرت الظلال بشكل أقوى وأكثر وضوحًا. ضع حاجز غوبو بالقرب من وجه الهدف، وإذا كنت تستخدم ضوءًا اصطناعيًا، فضع مصدره بعيدًا عن الهدف، ثم أطفئ كل الأضواء الأخرى. ولعل أروع شيء في التقاط الصور الشخصية المجردة هو أنك لا تحتاج إلى مجموعات أدوات محترفة للحصول على لقطات جيدة. وتُعد أي كاميرا DSLR مناسبة للمبتدئين، مثل كاميرا EOS 850D من Canon، مزودة بعدسة مجموعة أدوات أو عدسة صور شخصية مثالية لهذا النوع من التصوير. أما بالنسبة إلى إعدادات الكاميرا، فاستخدم وضع أولوية فتحة العدسة (Av) وحاول إضافة درجة توقف أو درجتين لتعويض درجة الإضاءة السالبة لتظهر الظلال بشكل جيد وقوي.

يمكن أن تستحضر المرايا مشاعر قوية عن الذات والهوية، وهذا ما يجعلها ملحقًا مثاليًا لالتقاط الصور الشخصية المجردة. ويتمثل التحدي الأساسي عند استخدام المرايا في اختيار الزوايا الصحيحة وتحديد موضع الهدف لتتمكن من التقاط انعكاسه. ستحتاج أيضًا إلى الاختيار بين التركيز على الهدف المنعكس أو على المرآة نفسها لأنهما سيكونان على مستويين مختلفين في نطاق التركيز البؤري. وإذا كنت تريد أن يظهر كلاهما بوضوح، فحاول استخدام فتحة عدسة ضيقة مثل f/16 تتيح لك توسيع عمق المجال بهذه الطريقة.

وباستخدام مرآة، يمكنك التقاط مجموعة متنوعة من الصور المجردة وتجربة تقنيات مختلفة لالتقاط الصور الشخصية وإنشاء الزوايا. على سبيل المثال، إذا كانت لديك مرآة صغيرة، فيمكنك أن تطلب من هدف أن يمسك بها بالقرب من وجهه لالتقاط صورة شخصية سريالية، أو يمكنك استخدام أكثر من مرآة كبيرة وإنشاء تأثير لا متناهٍ لإظهار انعكاس يستمر إلى الأبد.

على الرغم من أننا نختبر الواقع من لحظة إلى أخرى، فإن الكاميرا يمكنها التقاط فترات مختلفة من الوقت وتجميعها معًا في صورة واحدة. وتتيح لنا تقنية التعرض للإضاءة لفترة طويلة تمديد سرعة الغالق للحصول على شتى أنواع التأثيرات المجردة، ويُعد الرسم بالضوء من أكثر التأثيرات اللافتة للانتباه من بينها.

ويمكنك إنشاء مسارات ضوء مذهلة عن طريق تحريك مصدر ضوء، مثل كشاف ملون، في المشهد في أثناء فترة تعرض للضوء تبلغ بضع ثوانٍ. وللحصول على صور شخصية ملونة بالضوء، يجب أن تلتقطها في غرفة مظلمة (ليس بالضرورة أن تكون خالية من الضوء تمامًا) وتطلب من هدفك أن يظل ثابتًا قدر الإمكان وتثبت الكاميرا على حامل ثلاثي القوائم. وستعتمد إعدادات التعرض للضوء الصحيحة على قوة الكشافات التي تستخدمها وأي إضاءة محيطة بها، ولكن يمكنك أن تبدأ من الوضع اليدوي (M) بسرعة غالق تبلغ 13 ثانية وفتحة عدسة f/16 ومعدل حساسية ISO100. اضغط على الغالق ثم ابدأ بتلويح الكشاف أو مصادر الإضاءة الأخرى حول الهدف في خطوط انسيابية وسلسلة للرسم بالضوء. وحاول أن ترسم أمام هدفك وخلفه لتضيف القليل من العمق إلى التأثير، وحاول كذلك تسليط الكشاف على وجهه لتنيره في الوقت نفسه – وتذكّر القيام بكل ذلك من جانب اللقطة كي لا تظهر أنت في الصورة النهائية.

تُعد الأسطح الشفافة مثالية لالتقاط الصور الشخصية المجردة. على سبيل المثال، عند وضع زجاج بلوري أو حرير رقيق أو أي سطح شبه شفاف بين الهدف والكاميرا، سيتم حجب التفاصيل ولكن سيبقى انطباع الوجه ظاهرًا، وهذا يعطيك صورًا شخصية أثيرية وجميلة. حاول وضع هدفك على أحد جانبي النافذة واطلب منه التوجه بنظره نحو مصدر الضوء، ثم التقط الصورة من الجانب الآخر للزجاج. ولا تخشَ تجربة أمور جديدة مع نقطة التركيز البؤري – إذ قد ترغب في التركيز على السطح بحد ذاته وإظهار وجه الشخص بشكل ضبابي. ويمكنك رش القليل من الماء على الزجاج لإضفاء أجواء لا تبعث على السعادة، وسيكون هذا التأثير رائعًا بشكل خاص إذا كنت تصور في يوم ملبد بالغيوم.

يتيح لك وضع درجة الإضاءة المتعددة في كاميرا Canon مزج صورتين أو أكثر معًا لإنشاء صور خيالية وتأثيرات مجردة. وتم استلهام هذا التأثير من تقنية كاميرات الأفلام القديمة التي يتم فيها تعريض إطار الفيلم نفسه للإضاءة مرتين. ويمكنك الارتقاء بالنتائج إلى مستوى أفضل إذا استخدمت كاميرا Canon مثل EOS R6. بعد اختيار عدد من درجات الإضاءة من قائمة الكاميرا، سنأخذ لقطتنا الأولى، ثم سنرى الإطار السابق ونحن نقوم بتركيب اللقطة الثانية فوق موجز العرض المباشر، وهذا سيساعدنا في تحديد إطارهما والحفاظ على تناسقهما. ويمكنك أيضًا تحقيق هذا التأثير في مرحلة ما بعد المعالجة باستخدام برنامج Digital Photo Professional ‏(DPP) من Canon.

وعند التقاط صور شخصية بتقنية درجات الإضاءة المزدوجة، حاول وضع إطار لهدفك وهو يلتفت أو إظهار ظله أمام خلفية ساطعة مثل السماء أو النافذة. ثم عندما تنتقل إلى إطارك الثاني، سيكون متوافقًا مع حواف الرأس البارزة. أما بالنسبة إلى الإطار الثاني (أو الثالث أو الرابع أو الخامس)، فلديك خيارات إبداعية لا حدود لها. إذ يمكنك اختيار تضمين منظر مدينة أو مشهد من الطبيعة أو التقاط شيء عزيز على قلب الهدف أو تصوير حيوان أو حتى إضافة شخص آخر.

في المرة التالية التي تريد فيها التقاط صورة شخصية، فكّر بشكل مختلف وعبّر عن نفسك باستخدام أي من هذه النصائح أو كلها.

بقلم جيمس باترسون