الفيلم التونسي “عرايس الخوف” .. مزيج البهجة والمأساة
2021-08-12 2078
رانية النتيفي:
تعوَّدْنا من خلال السينما التونسية على مشاهدة أفلامٍ تتطرَّق للمسكوت عنه، خاصةً ثالوث المرأة والجنس والسلطة.. وفي هذا الصدد، يأتي شريط “عرايس الخوف” (2019) للمخرج التونسي نوري بوزيد، وهو عنوان يُذَكِّرُنا بفيلمه السابق “عرايس الطين” (2002).
يتطرَّق هذا العمل الفنّي لهذا “الثالوث”، كما لم يفعل أيُّ مخرجٍ تونسيٍّ أوشمال إفريقي من قبل، ما أهَّلَهُ للترشُّح لمهرجان البندقية السينمائي الدولي، ومن ثم مهرجانات القاهرة، وقرطاج، ومونبوليه الدولية، فيما شاهَدَهُ عشّاق السينما في فعاليات الدورة 26 من مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط بالمملكة المغربية، في حزيران (يونيو) الماضي.
تستند أحداث هذا الفيلم إلى واقعةٍ حدَثَتْ بالفعل في العام 2014، تتمحور حول عودة فتيات تونسيات، في أعقاب احتجازٍ وتعذيبٍ لدى تنظيم “داعش” في سوريا.
الانطلاقة بمشهدٍ للفتاتين “زينة” و”جو” التي تكْبُرُها سنّاً، وهما في حالة هلع، ترتديان ثياباً سوداءَ رثَّة.. تتحرك الكاميرا بشكلٍ يضع المشاهد في حالة تأهُّبٍ، ويدرك معها أن الأمر يتعلّق بنساء محتجزات، يلتَفِتْنَ يميناً وشمالاً بحثاً عن هواءٍ أو نور، ثم نجدهما تضربان رأسَيْهما في الجدار.
درجة الإضاءة والألوان المختارة كانت كافيةً لإيصال حالة “القلق” تلك، ونقْلها من الشاشة إلى المتلقي، بحيث تبدو الألوان قاتمةً والبعض منها ناريّةً، أما عن حركة الكاميرا فكانت بمثابة عينٍ ثالثةٍ ترافق الفتاتين في الزنزانة، ما أضفى على المشهد واقعيةً كبيرةً، وإن كانت أحياناً مُتْعِبَة.
تجد كلٌّ من “زينة” و”جو” ملاذاً في شخصية المحامية، والطبيبة، وشابٍّ يقف إلى جانب سابقتَيْه، مع الهاربتين من “داعش”، والمشكوك فيهما بما يُصْطَلَحُ عليه لدى التنظيم بالمصطلح المريب “جهاد النكاح”، حيث يعتقد البعض أن الفتاتين ذهبتا طوعاً بغرض المتعة الجنسية. فتصير الفتاة الأصغر “زينة” مطمعاً لشبّان الحيّ وعاراً لأبيها، أمّا “جو” فتكون في حالةٍ نفسيةٍ أشدّ وطأةً وصعوبةً من زميلتها في الزنزانة، هي التي لا تقوم إلا بكتابة أسماء المحتجزات لدى “داعش” على جدران الزنزانة.
في المشاهد التي تعيش فيها “زينة” شيئاً من الحرية والطمأنينة رغم تأهُّبِها للإهانة في كل لحظةٍ، نرى الألوان مشرقةً وصافيةً، خاصةً في المشهد الذي تتعرَّف فيه بعمقٍ أكبر على الهوية الجنسانية لذلك الشاب، وذلك بعد مشهد من المشاهد الفاصلة للفيلم من حيث كَمّ البهجة والمشاعر.
أمّا “جو” التي عانت تفاصيل تسخيرها أَمَّةً تحت إمْرَة القتلة والمجرمين، فتُدوِّن كل ما عاشَتْهُ من عذابٍ وحشيٍّ وهمجيٍّ، صادمةً مَن يَظُنُّ أن النساء المحتجزات متواطئاتٌ مع الإرهاب.
إلا أن نقطة ضعف الفيلم تجلَّت، برأيي، في عدم منْحِ القصة مساحةً كافيةً نرى عبرها الجانب الآخر أو الطرف الشرير، أي الإرهابيين، ليدرك المُشاهِد، على أقل تقدير، العامل النفسي الذي يحرّكهم، ما من شأنه منْح القصة نوعاً من التكامل، وبحيث يكون المتلقّي أمام صورة بانورامية شاملة ما بين الأطراف المتناقضة، وما بينهما.
تميَّزَ الفيلم بمشاهد بها إبداعٌ إستاطيقيٌّ لطيفٌ وصادمٌ ما بين مشهدٍ وآخر، وكأنه سلسلةٌ من اللوحات في معرضٍ لصور ترسُمُ أشخاصاً وأماكن تُوحي بحالاتٍ نفسيّةٍ وشعوريةٍ متنوعةٍ ومتناقضةٍ، لا ندري إن كانت تستدعي الحَيْطَة أم تستَدِرّ الأمان.
أمّا فيما يتعلق بالموسيقى، فقد استُخْدِمَت فواصل على شكل مقاطع “بيانو” خفَّفَتْ، برأيي، من الحدّة المأساوية للفيلم. هي رحلةٌ للمشاهد على مدى ساعة ونصف، إلا أنه بالتأكيد سيبقى عالقاً في الأذهان، عدَّة سنوات، باعتبارِهِ من بين الأفلام التونسية التي تسبح ضد التيّار.