الاخراج الفني
Art direction – Direction artistique
الإخراج الفني:
الإخراج الفني direction هو رواية قصة ما عن طريق أداء حركات تمثيلية في المسرح أو السينما أو التلفزيون في أسلوب فني وتقني معبّر، توضح حوادث القصة بغرض المشاهدة، واستخدام المؤثرات السمعية والبصرية، وتدريب الممثلين على التنفيذ.
الإخراج المسرحي:
تعد وظيفة المخرج المسرحي إدارة جميع مراحل العمل الإبداعي لمسرحية ما. ويرادف مصطلح «المخرج» في اللغة الإنكليزية كلمة «المدير» director، لأن المخرج يتحمل مسؤولية إدارة العمل وتنظيم جميع أفراده الفنيين من ممثلين وتقنيين، من أجل تحقيق التصور الجمالي الذي يعبر عن تفسير المخرج لنص المؤلف. أما المصطلح الفرنسي mise en scène فإنه يشير إلى رسم حركة المشاهد.
وكان الإخراج أيام الإغريق جزءاً من مهمة الكاتب المسرحي، ثم أصبح في أيام شكسبير وموليير مهمة تناط بالممثل النجم، إلى أن استقلت مهنة المخرج في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. ويعزى إلى دوق ساكس – مايننغن Saxe- Meiningen (1826-1914) الألماني، جورج الثاني، المحب لفن المسرح، أنه أول من رسّخ المفهوم المعاصر لمهنة المخرج، وتلاه كل من أندريه أنطون A. Antoine (الفرنسي)، وكونستانتين ستانيسلافسكي[ر]
C. Stanislavski (الروسي)، وغوردن كريغ G. Craig (البريطاني)، وماكس راينهارت[ر]
M. Reinhardt (النمسوي)، وبرتولد برشت[ر] B. Brescht (الألماني). ولكن بريطانية ظلت تجمع بين المخرج والممثل معاً مثل لورنس أوليفييه[ر] L. Olivier، وجون غيلغود J. Gielgud. واليوم، أصبح بدهياً قيام مخرج/مؤلف بإخراج مسرحية لغيره، أو مخرج/ ممثل بإخراج مسرحية لا يؤدي فيها.
وقد ازداد عدد المخرجين في العالم منذ ثلاثينات القرن العشرين مع نمو فن الإخراج في الولايات المتحدة التي أخذت منهج ستانيسلافسكي وطورته في اتجاهات متباينة. ومن أهم من أرسوا قاعدة قوية لفن الإخراج المسرحي: إيليا كازان[ر] E. Kazan، ولي ستراسبرغ L. Strasberg، وهارولد كلورمان H. Clurman، وجوزيف تشيكن J. Chaikin (المجري). وقد نما الإخراج في أوربة عامة، واحتل مكانة بارزة في الفن المسرحي، وخاصة في أعمال بيتر بروك P. Brook، وبيتر شتاين P.Stein، ويوري ليوبيموف Y. Lyubimov وأمثالهم.
ومنذ أواسط القرن العشرين وجدت نظريتان رئيستان للإخراج المسرحي، بغض النظر عن الأساليب، الأولى تنطلق من عملية تخطيط منظم ومسبق لجميع تفاصيل العرض، بما فيها حركة الممثلين. أما الثانية، فتعتمد على استكشاف النص من التجارب العامة التي تسبق العرض وتتخللها ارتجالات في الأداء المسرحي. ولكن نجاح المخرج في الحالتين يظل مقروناً بقدرته على استخلاص أفضل ما لدى الممثلين والفنيين من طاقات إبداعية، وتوظيفها بعدالة ودقة وإيجابية، لتخدم جميعاً تفسيره للمعنى وتصوره للشكل الذي يجب أن تكون عليهما المسرحية في مكان وزمان معينين.
الإخراج السينمائي:
يمكن أن يعرف الإخراج السينمائي بأنه «رواية قصة بالصور والمؤثرات الصوتية والبصرية والحركية»، ويعد المخرج عماد العمل السينمائي. وقد استطاع بعض المخرجين جلب أشخاص عاديين اكتشفوا فيهم الموهبة الفنية وجعلوا منهم نجوماً، وقلل البعض الآخر من الحوار في أفلامه بقدر كبير مستعيضاً عنه بالمؤثرات من حركة وصوت ولون وإيحاء. لكن أهمية المخرج السينمائي تعود إلى ما قبل ذلك، أي إلى عهد السينما الصامتة، في الولايات المتحدة أو في ألمانية أو روسية أو فرنسة. ومن الرواد الذين خلدتهم أعمالهم: غريفيث[ر] Griffith، وتشارلي تشابلن[ر] Ch. Chaplin، وآبيل غانس A. Gance وآيزنشتاين[ر] Eisenstein. ومع دخول الصوت إلى صناعة السينما عام 1926، وتطور تقنيات التصوير والمونتاج والمزج الفني (المكساج)، ثم ولوج صناعة التلوين على الأفلام، وابتكار «الشاشة الموسعة» (السينماسكوب) cinèmascope، تزايدت أعباء المخرج كثيراً، لأنه فضلاً عن موهبته الإبداعية، عليه أن يتولى إدارة أعداد كثيرة من الفنيين ويشارك في تصميم الأزياء والإضاءة و(المكياج) ليحمل الفيلم توقيع مخرجه. والفارق مهم بين الإخراج المسرحي والإخراج السينمائي. ففي المسرح، يقدم المخرج للمشاهد عرضاً حياً يستطيع أن ينظر من خلاله إلى أية زاوية من المسرح بمحض اختياره. أما في السينما، فإن المخرج هو الذي يختار اللقطات والزوايا المحددة من قبله. لذلك كان قول الممثل والمخرج البريطاني أورسون ويلز[ر] O. Welles مهماً حول ضرورة أن تكون «الكاميرا عين الشاعر».
والإخراج السينمائي ليس إدارة ممثلين فحسب، بل هو تصور تعبيري متكامل لكيفية رواية موضوع معين بالأسلوب الأمثل لإحراز التأثير المطلوب. لذلك فإن التعاون بين المخرج ومدير التصوير وفني الجمع والتركيب (المونتاج)، له أثر حاسم في إنجاح الفيلم أو إخفاقه. وقد أصبحت صناعة السينما معقدة، خاصة في «هوليود»[ر] التي غزت بقية أرجاء العالم بتياراتها السينمائية المختلفة مثل أفلام المنوعات الموسيقية، ورعاة البقر (الكاوبوي)، والجريمة (المافيا)، والملهاة، والفروسية، والحروب، إذ أصبح لكل منها مخرج في مجاله الاختصاصي المحدد، وفي الحرب العالمية الثانية نزح رواد السينما الألمان إلى الولايات المتحدة، ومنهم فريتز لانغ F. Lang، ووليم فيلر W. Wyler، وبيلي فيلدر B. Wilder. ثم ما لبث الإخراج السينمائي أن أصبح مهنة اختصاصية، وبرزت أسماء لكبار المخرجين العالميين مثل: كوروساوا Kurosawa، وفيتوريو دي سيكا V. de. Sica، ولوي بونيويل L. Buñuel، وألفريد هتشكوك[ر] A.Hitchcock، وسيرغي بوندار تشوك S. Bondarchuk، وأنغمار برغمان[ر] I. Bergman وفيدريكو فليني[ر] F. Fellini، وإيليا كازان[ر] E. Kazan، وروبرتو روسليني[ر] R. Rossellini.
ومن أبرز المخرجين العرب للسينما العربية: صلاح أبو سيف[ر]، ويوسف شاهين، وعاطف الطيب، ومحمد خان (من مصر)، ومحمد الأخضر حامينا، وأحمد الراشدي (من الجزائر)، ومحمد ملص، وعبد اللطيف عبد الحميد (من سورية)، وفريد بوغدير، ونوري بوزيد (من تونس)، وخالد الصديق (من الكويت)، وجميل شكري (من العراق).
ومع أن صناعة السينما أصبحت بالألوان، إلا أن بعض المخرجين المعاصرين ما زال يقوم بتصوير أفلامه بالأسود والأبيض، متحرياً الإحساس بمصداقية تسجيلية تمتد بأثرها إلى المشاهد، ومنهم مارتن سكورسيزه M. Scorcese في فيلم «الثور الهائج». كذلك فعل المخرج العربي المصري محمد فاضل عندما صور فيلم «ناصر 56»، كما أن التصوير بالأسود والأبيض، والألوان معاً يستخدم للدلالة على الخيال والأحلام والأفكار المجردة.
واعتمدت صناعة السينما، منذ أفلام تشارلي تشابلن، على الخدع السينمائية وتطورت تقنياتها على نحو ملحوظ في الربع الأخير من القرن العشرين مثل فيلم «حرب النجوم». واشتهر المخرج ستيفن سبيلبرغ S. Spielberg باستخدامه تقنيات الخدع السينمائية المتطورة في أفلامه بالحاسوب، ومن دون استخدام ممثلين أو محترفات للتصوير.
أما عن أفلام الكرتون الطويلة التي أطلقها المخرج السينمائي الفنان والت ديزني[ر] W. Disney منذ أفلام «سنووايت والأقزام السبعة» مروراً بأفلام الحيوانات، التي تتكلم بلسان الممثلين، الملائمة للأطفال والكبار معاً، فقد تطورت هذه الأفلام تطوراً كبيراً وأصبح الإخراج فيها، وزوايا تصوير رسومها ينافسان السينما العادية. ووصل الأمر بديزني في فيلمه «فانتازيا» إلى استخدام «الفن التجريدي» مع الموسيقى بصورة تجريبية جريئة، وإلى إدخال شخصيات كرتونية مع ممثلين أحياء. واستخدمت هذه التقنية بصورة أوسع مع الفيلم «ماري بوبنز» M. Poppins من بطولة جولي أندروز J. Andrews، وديك فان دايك D. Van Dyke الذي يرقص مع شخصيات كرتونية.
ولكن هذه الأفلام وصلت إلى ذروتها مع شخصية «روجر رابيت» R. Rabbit أو «روجر الأرنب» التي ابتدعتها شركة «وارنر» السينمائية في الفيلم المسمى «من أوقع روجر الأرنب؟». وإذا كانت السينما قادرة على خلق شخصيات غريبة مقنعة من الحيوانات، كما في فيلم «غريملنز» أو فيلم «إي تي» E.T فإنها أصبحت تستطيع إنتاج فيلم طويل كامل بشخصيات مجسمة غير بشرية، كما في فيلم «قصة ودمى»، وكذلك بالإقدام على إنتاج فيلم من بطولة شخصية حيوانية طريفة، كما في فيلم «بايب» Pipe، وهو من بطولة خنزير، أو فيلم «ملك الغابة» The Lion King. لكنه مهما بلغ التقدم التقني في السينما لتوفير الميزانيات وتسهيل الإنتاج، تبقى حصيلة الجهود البشرية في المقام الأول.وقد تفيد التقنيات الفنية في إخراج أفلام تاريخية ضخمة بعض الشيء. كما أفادت أفلام المغامرة الحركية بعض نجوم السينما مثل شوارزينغر Schwarzenegger، وستالونه Stallone، وويليس B. Willis، لكن هذه الأفلام لا تعتمد التقنية كلياً إذ إن تقاليد السينما الضخمة منذ المخرجين كوروساوا الياباني، ووايلر وكوبريك Kubrick الأمريكيين، هي نفسها تقريباً في أفلام خالدة أكثر حداثة مثل: «الامبراطور الأخير» للمخرج برتولوتشي Bertolucci، و«هنري الخامس» للمخرج كينيث براناغ K. Branagh، و«الملكة مارغو» للمخرج باتريس شيرو P. Chéreau، و«قلب شجاع» للمخرج ميل غيبسون M. Gibson. وسيكون تطور الإخراج إجمالاً تابعاً لعوامل اقتصادية تحدد حسبان الكلفة لكل تقنية ولكل فيلم منتج، وفي ضوء تقدير الكلفة يجري إخراج الأفلام المناسبة والاقتصادية.
الإخراج التلفزيوني:
حاول التلفزيون في بداية انطلاقته أن يقتدي بكل من المسرح والسينما في مقاربته فن الدراما، إلا أن «المونتاج» لم يكن متاحاً من الناحية التقنية، لذا كانت الأعمال الدرامية تصور دفعة واحدة، فإذا حدث خطأ ما، يعاد العمل من بدايته. أما التشبه بالسينما فنجم عن كون أداة الإيصال في التصوير بعدة أجهزة تصوير عوضاً عن آلة واحدة. وفي مرحلة نضج الدراما التلفزيونية، صار الإخراج التلفزيوني يستخدم المونتاج كثيراً ليقترب من السينما في ذلك، ولكن ظل العمل الإخراجي التلفزيوني محصوراً ضمن جدار المحترف وسط تزيينات المشاهد (الديكورات) المصطنعة، وتحت إضاءة باهرة لابد منها للحصول على صورة جيدة باستخدام أجهزة التصوير الحساسة. وبقدر ما ظن المسرحيون من جهة، والسينمائيون من جهة أخرى أن الإخراج التلفزيوني سهل اكتشفوا أنهم في حاجة إلى ممارسة ومران قبل أن يسيطروا على إدارة المشاهد كاملة، والقيام بمونتاج فوري عبر التقطيع الفني، أي إخراج كل جزء من العمل بعدة آلات تصوير. لذلك، فإن الإخراج التلفزيوني يعتمد بالضرورة على تحضير مسبق دقيق جداً، في حين قد يتاح نوع ما من حرية الإبداع والارتجال النسبي في المسرح والسينما. لكن الأمر عاد فاختلف مقترباً من اللغة السينمائية أكثر مع اختراع آلة التصوير الصغيرة المحمولة وعربات النقل الخارجي التي أمكنت المخرج من الخروج من إسار المحترف، وتصوير مشاهده في المواقع الطبيعية. وقد أتاح ذلك حرية أكثر وارتجالاً وتصويراً للمشاهد لقطة فلقطة في بعض الأحيان من زوايا لم تكن متاحة من قبل. لكن لقطات الإخراج التلفزيوني عموماً تختلف بعض الشيء عن لقطات السينما، نظراً لاعتماد التلفزيون على حوارات طويلة أشبه بالمسرح، وكون مواضيع مسلسلاته غالباً ما تدور حول قضايا اجتماعية حميمة، مما يستدعي إيضاح الشخصيات للمشاهد بلقطات أقرب. هذا فضلاً عن التنوع بين التصوير الخارجي والداخلي، ومحاولة المطابقة بينهما من حيث «الديكور» والإضاءة. والإخراج التلفزيوني حرفة أقرب إلى العلم، إذ إنها تكون فنية ومعبرة عندما تبتعد عن النزعة الاستعراضية فتحقق غاية المشاهدة الجذابة واللافتة للانتباه، وتقدم رواية القصة صراع الشخصيات إلى المشاهد أكثر إيضاحاً وإثارة للاهتمام.
وتعرض الإخراج التلفزيوني والسينمائي إلى تدخل التقنيات الحاسوبية (الإلكترونية) التي جعلته أكثر فاعلية وأقل كلفة.
رياض عصمت