كيف تصنع أجواء خاصة لفيلمك – الجزء الأول
من أهم عناصر النجاح لأي فيلم هو قدرة المخرج على التحكم بما يشعر به المشاهد و توجيه شعوره تجاه لقطة أو مشهد أو الفيلم ككل ، فقد ينسى المشاهد بعض تفاصيل الفيلم بعد مشاهدته و لكن سيبقى في ذاكرته
الشعور و الإحساس الذي عاشه مع لقطة معينه أو مشهد معين ، إضافة للمزاج العام للفيلم الذي يترك في عقل المشاهد أثر يستذكره بمجرد ذكر اسم الفيلم
قد يحتوي الفيلم على مشاهد مثيرة و قويه و قد تكون صادمة في بعض الأحيان لكن لن تعطي نفس الإنطباع على نفسيه المشاهد لو لم تكن مقدمه ضمن الجو الخاص للفيلم ، فخلق جو خاص للفيلم والتلاعب بالعواطف هي أهم قضية في السينما يجب ان يتقن المخرج التعامل معها .
وعلى المخرج أن يفهم العقل البشري، ما الذي يجعل الناس خائفين ، ماذا يصدمهم ، يسعدهم ، يحزنهم ، يدهشهم .
من العناصر الأساسية لخلق جو قوي، جعل الناس يعتقدون أن الحدث في مشهد ما يحدث بالفعل أو جعل الناس يشعرون أن حزن الشخصية حقيقي، بعد ذلك يأتي المزاج بشكل طبيعي، و ليس هذا فقط فيجب ان
تتعاون جميع عناصر السينما معًا لخلق الحالة المزاجية، لأن نقطة ضعف واحدة يمكن أن تكسر سلسلة هيكل معقد و هو هيكل الفيلم، و ستفقد بعض الأفلام أجواءها تمامًا بدونها
العناصر التي تؤثر في تكوين الأجواء الخاصة للفيلم معروفة ، مثل الإضاءة و أحجام اللقطات و زوايا الكاميرا و حركتها و الألوان و الموسيقى …الخ ، لكن الإبداع الحقيقي هو في جمع هذه العناصر بشكل متجانس و منسجم لتكون في مجموعها جو خاص للفيلم يختلف و يتميز عن أي فيلم اخر
من أكثر القرارات الحاسمة و المؤثرة على أجواء الفليم هو تحديد شكل و توزيع الإضاءة فإذا لم يتم
استخدام الضوء بدقة ، فلا يمكن أن يكون للمشهد جوه الخاص ، على سبيل المثال تتميز معظم أفلام الرعب الجيدة بأسلوب الإضاءة الداكنة ، المليء بالكثير من الظلال لأننا نحن البشر نخاف من المجهول ، والظلام المرتبط بالمجهول و يمثل الخوف لذلك تضيف الإضاءة أجواء للفيلم بقوة كبيرة إذا تم استخدامها بطريقة صحيحة.
في فيلم Blade Runner هناك اسلوب خاص في الإضاءة إذ تمتلئ بعض المشاهد بالأضواء المغبرة والباردة، فشكلت اسلوب تعبير قوي جدا حتى أننا نذكره بعد سنوات من مشاهدتنا للفيلم
حجم اللقطة قد يصنع المعجزات أحيانا ، استخدم كوبريك لقطات واسعة لإظهار موضوعات اجتماعية مما يجعلنا نشاهد و نفكر في المشهد برمته من ناحية فلسفية أو نفسية، ولو كانت هذه اللقطات أضيق لما كان لها التأثير نفسه على المشاهد ، في بعض الأحيان لا يمكنك أن ترى كامل الصورة لأحجية ضخمة ، إلا إذا ابتعدت عنها وشاهدتها برؤية أكبر.
على الرغم من أهمية الموسيقى ،هذا لا يعني أنه يجب أن تكون هناك موسيقى في كل لحظة تمامًا مثل لقطة قريبة غير ضرورية لشخصية ، فإستخدام الموسيقى في لحظات غير ضرورية لا معنى لهو قد يؤدي إلى الإخلال بالتوازن العام لأجواء الفيلم .
اما زوايا التصوير و حركات الكاميرا فهي تعبير دقيق عن رؤية المخرج ، التي يجب أن تتوافق و تنسجم مع الجو العام للفيلم و هي عين المشاهد التي يرى من خلالها القصة ، فمن المهم جدا ما تنظر إليه الكاميرا والزاوية التي تستخدمها وكيف تتحرك و مدى قربها من الشخصية او الموقف.
بدون التحكم بدرجات اللون ، قد تبدو الأفلام مثل مقاطع الفيديو المنزلية والألوان تعكس المشاعر ، عادة ما تعتبر النغمات الزرقاء والخضراء ألوانًا باردة ، والنغمات الصفراء والحمراء تعتبر ألوانًا دافئة ، دفء الألوان يجعلك تشعر بالراحة نسبيًا إذا ما قورنت بألوان أخرى فيمكن استخدام الألوان لخلق الأجواء الخاصة للفيلم بشكل مؤثر كما يمكن ان تكون عنصر مهم في التعبير عن بعض الأحداث و المواقف في الفيلم
في فيلم The Matrix يمكنك أن ترى بوضوح المسحة الخضراء ، هناك فرق كبير بين تدرج ألوان مشاهد Matrix ومشاهد العالم الحقيقي و ساعد ذلك على التمييز بين عالمين مختلفين تمامًا مما يخلق أمزجة مختلفة في كلا العالمين.
إنشاء شخصيات يمكن تصديقها بكل تفاصيلها و سلوكها ، ويجب أن تتطابق الشخصيات مع الجو الذي يريد المخرج تكوينه ، فإذا لم يستطع الممثل إقناع الناس بحقيقة الشخصية ، قد يواجه المشاهد صعوبة في الدخول إلى عالم الفيلم، يجب تصميم كل شيء عن الشخصية حتى نشعر أن بطل الرواية حقيقي مثلنا تقريبًا.
المخرج غسان البلبيسي
نهاية الجزء الأول