لماذا سمي شهر رمضان بهذا الاسم وهل له أسماء أخرى؟
يصوم المسلمون شهر “رمضان” التاسع في التقويم الهجري، ويميزونه عن سائر شهور السنة الهجرية بالعبادة التي تعد أحد أركان الإسلام الخمسة، كما أن للشهر الفضيل مكانة خاصة في تراث المسلمين وتاريخهم ففيه ليلة القدر، وهي -كما وصفها الله عز وجل- خير من ألف شهر.
لكن ما أصل تسمية الشهر الفضيل التي ذكرت في القرآن، علما بأن هذا الشهر يحمل اسم رمضان قبل الإسلام وكان يسمى أيضا بـ”ناتق”، كما كان الصيام معروفا في الديانات السابقة لكن دون الارتباط بشهر رمضان.
الرمض وشدة الحر
يقول عمار يحيى، المحرر اللغوي بموقع الجزيرة الإلكتروني، إن الجذر “ر م ض” يدل على معنى الحِدّة في شيء من حَرّ وغيره.
ويشرح “الرَّمَضُ هو شدّة الحَرّ، ومن هنا سُمي ما تسبّبه الشمس من شدّة الحرارة في الحجارة أو الرمل “رمضاء”. وكان القدماء يستغلون هذه الحرارة الشديدة في صيد الظباء، فيتبعون الظبي في وقت الهاجرة حتى إذا أرهقوه وتفسّخت قوائمه من شدّة الحَر أخذوه، ويسمون ذلك: “التّرمُّض”، أما رَمْض الغنم فهو أن ترعَى في شدّة الحَرّ”.
ويكمل في مدونته بموقع تعلم العربية “هذا عن الظباء والغنم، أما الفِصال (ومفردها الفَصيل، وهو ولد الناقة) فإن رَمَضها هو أن تبركَ حين يشتد الحَرّ من النهار وتحرق الأرض خفافها، وهو وقت الضحى، وفي فضل صلاة النافلة في هذا الوقت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صلاة الأوّابين إذا رمِضَت الفصال”.
لكن ما علاقة رمضان بالحرّ ومن أين اكتسب اسمه هذا؟ يجيب المحرر اللغوي المهتم بقضايا الفكر واللغة والتربية، عن سؤاله “صحيح أن الصائم يرمَض في هذا الشهر ويصيب الحَرُّ جوفه من شدّة العطش، لكن قيل إن اسم رمضان جاء من أن العرب لما وضعوا أسماء الشهور قديما، سمّوها بالأَزمنة وأحوال الطقس التي تصاحبها آنذاك، فوافق بعضها موسم الندى والمطر فسموه ربيعًا، ووافق آخر أيام رَمَضِ الحرّ وشدّته، فسمّوه رمضان”.
ويتابع المحرر اللغوي أن “العرب تحسن التعبير عن المشاعر بمعانٍ حسيّة، لذلك تسمي حُرقة الغيظ “الرَّمَض”، كأنها حرارة حقيقية تحرق الجوف، وتقول: قد أرمَضه الأمر، أي أغاظه وأوجعه”.
ويستدرك “ليس هذا الباب خاصا بالحرارة الشديدة فقط، بل يدل على معنى الحدّة عموما كما ذكرنا، لذلك فإن كل شيء حادٍّ هو “رَميض”، فيقال: هذا سكين رميض ونصل رميض وشفرة رميضة”. ويكمل “وإذا أردت أن تصنع من حديدة سكينا، فإنك ترمِضها بين حجرين أملسين حتى ترقّ، ويقال: ارتمَضتُ لفلان، أي حزنت له، أما من ارتمضت كبده فقد فسدت، كأنها احترقت”.
ويختم “هذا أصل تسمية رمضان، ولكن هذا الشهر المبارك -رغم ما في اسمه من حرارة، وما في صومه من مشقة- موسم للغفران، ومحطة للبرّ والإحسان، وسبيل إلى الرضوان”.
تسميات العرب قديما
ونقل أبو بكر بن دريد الدوسي (223هـ/837م – 321هـ/933م) وهو شاعر وأديب من نسل ملك العرب مالك بن فهم الدوسي الأزدي أنه “لما نقلت أسماء الشهور عن اللغة القديمة، سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر شدة الحر، وقيل بل لأن وجوب صومه صادف شدة الحر، وقيل الصوم فيه عبادة قديمة فكأنهم سموه بذلك، لارتماضهم فيه من حر الجوع ومقاساة شدته”. اعلان
ويقال إن أول من سماها بهذه الأسماء “كلاب بن مرة” من قريش، وقيل كذلك إن العرب كانوا يرمضون أسلحتهم في رمضان أي يدقونها، ويشحذونها بين الحجارة استعدادا للحرب في شوال قبل حلول الأشهر الحرم”.
كما سمى العرب الشهر الفضيل من قبل “ناتقًا” -ذكر ذلك الماوردي والزمخشري وغيرهما- لأنه ينتقهم أي يزعجهم بشدته عليهم، والقول إن رمضان مشتق من الرمض أي الحر، حكاه كذلك الأصمعي عن أبي عمرو. ومن هذا قولهم في سبب تسميته: لأن القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس، والرمضاء الحجارة المحماة.
وفي كتابه “معجم رمضان” ينقل الأكاديمي المصري فؤاد مرسي (1925-1990) آراء متعددة عن سبب تسمية الشهر الفضيل باسمه، ويقول “يجوز أن اسم رمضان مشتق من الرمض وهو المطر يأتي قبل الخريف فيجد الأرض حارة محترقة”.
ويتابع “لكن الرأي الغالب أنه مشتق من الرمضاء وأنه كان يأتي مع الرمضاء في كل سنة، لأن عرب الجاهلية كانوا يحسبون تاريخهم بسنة قمرية شمسية (مزج) فيضيفون 9 أشهر كل 24 سنة…”.
ويتابع مرسي “ويغلب أن يكون هذا الحساب متبعا في مكة دون البادية ومن يسكنها من الأعراب الذين لا يحسنون الحساب، ولكنهم يتبعون فيه أهل مكة بجوار الكعبة، لأن شريعة الكعبة هي التي كانت تسن لهم تحريم القتال في شهور من السنة وإباحته في سائر الشهور”.
احتمالات
وقد بحث العلامة محمود حمدي الفلكي (1230هـ/ 1815م – 1302هـ/ 1885) -عالم مصري وأحد أبرز الفلكيين في العصر الحديث- هذه المسألة في رسالته التي سماها “نتائج الأفهام في تقويم العرب قبل الإسلام” (1858م)، فرجح أن أهل مكة كانوا “يستعملون التاريخ القمري في مدة الخمسين سنة التي قبل الهجرة” بينما كان أصحاب الحساب يتصرفون في التقديم والتأخير إن أرادوا الحرب في الأشهر الحرم أو أرادوا منعها في غير هذه الأشهر وفقا لأهوائهم ومنافعهم، ومن هنا كان تحريم الإسلام للنسيء، لأنهم يحلونه أو يحرمونه كما يشاؤون، ولا يستقيم الأمر على هذا الحساب بعد فرض الصيام والحج في أيام معلومات.
ويخلص مرسي في كتابه إلى أن هناك 3 احتمالات لمعاني اسم رمضان واشتقاقاته، أولها أن “رمضان هو اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى”. لكن هذا من حديث أبى معشر نجيح وهو ضعيف والحديث “موضوع” بحسب معظم المواقع الإسلامية، وبذلك ينتفي كونه من أسماء الله الحسنى المنصوص عليها في القرآن والسنة والمأثورات الإسلامية.
أما الاحتمال الثاني حسب مرسي، فهو أن اسم رمضان “اشتق من المرضي بمعنى السحاب أو المطر في آخر الصيف وأول الخريف”، وثالثها أنه اسم “مشتق من الرمض وهو شدة الحر من وقع أشعة الشمس على الأرض”، والأخير هو الشائع والمرجح.
المصدر : الجزيرة
الصوم في العراق قديم وقبل التاريخ ولكن بصور مختلفة
الآراء تباينت بين من يرى الصوم عادة قديمة لدى الحضارات القديمة ومن يرى أن فرضه جاءت به الديانات السماوية لكنه يختلف من حيث التطبيق.
الصوم عند الصابئة يعتبر من خيرة الأعمال ويقسم إلى كبير وصغير (الجزيرة)
عادل فاخر-بغداد
17/4/2021|آخر تحديث: 18/4/202102:32 PM (مكة المكرمة)
الصوم فريضة على كل مسلم وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، كما أنه فرض في الديانات السماوية الأخرى، لكنه يختلف من حيث التعاليم والعادات والتوقيت.
الصوم في العراق عرف مع شعوبه القديمة التي سكنته من السومريين والآشوريين والكلدانيين والصابئة المندائيين، ولكن ما هي طبيعة الصوم وما الغاية منه، وفق المعتقدات التي كان يؤمنون بها؟
تباينت آراء الباحثين والمتخصصين بين من يرى الصوم عادة قديمة لدى الحضارات القديمة بغية التقرب الديني، وبين من يرى أن فرضه جاءت به الديانات السماوية، لكنه يختلف من حيث التطبيق بين ديانة وأخرى.
في بلاد الرافدين
وعن الصوم عند شعوب وادي الرافدين، يقول الباحث في علوم وتاريخ الحضارات والأديان الدكتور خزعل الماجدي أن الصوم عند السومريين كان يستند إلى أساس تحريم نوع معين من المأكولات الحيوانية أو النباتية لأسباب ظاهرها ديني ترتبط بأسطورة معينة، أما الأسباب العميقة فكانت اقتصادية في محاولة للحد من استهلاك نوع من اللحوم أو النباتات وخصوصا أيام القحط والكساد، ولم يكن الصوم تقليدا ثابتا ودورياً.
ويوضح الماجدي للجزيرة نت أن الصيام كان معروفا وممارسا بشكل واضح من قبل بعض الملوك الآشوريين، إذ نقرأ في أحد تلك النصوص على لسان الملك أسرحدون وهو يصف حاله بعد الصيام جائعا، ويبدو أن إصراره على الاستمرار في الصيام ربما يعود إلى كونه من أكثر الملوك الآشوريين تدينا، كما تشير إلى ذلك العديد من الرسائل الملكية، ويبدو أن هذا الأمر دفع بأطبائه ومستشاريه من الكهنة إلى ضرورة التدخل للتوقف عن تواصل الأيام في صيام الملك أكثر من ذلك للحيلولة دون الاستمرار في تدهور صحته.
وعن الكلدانيين يشير الماجدي إلى أنهم كانوا يصومون 30 يوما، وهي بعدد الأيام التي تقطعها الشمس من كل برج من أبراجها، ولا يأكلون ولا يشربون من شروق الشمس إلى غروبها، وكأن الصوم موجه للشمس (شمش) ويكون الإفطار خاليا من اللحوم غير أنه يتضمن الألبان والنباتات.
ويعتبر الصوم عند الصابئين من خيرة الأعمال، ويقسم إلى قسمين، الكبير والصغير. وذلك حسب كتاب الصيام عند الصابئة المندائيين للكاتب حسام هاشم العيداني.
فالصوم الكبير فهو صوم النفس قلبا وعقلا وضميرا، ورؤية وكلاما وسماعا، ومن خلال إمساكها عن الوقوع في المُحرمات.
أما الصوم الصغير فهو صوم الجسم عن الملذات الدنيوية، والغاية منه إخضاع النّفس في البدن وترويضها. ويعتبر الصوم الصّغير فريضة واجبة على الصَابئين في 36 يوما موزعة على مدار السنة. اعلان
من القرآن
الباحث في الفكر الإسلامي محمد البخاري يرى أن معرفة تاريخ الصيام عند البشر يمكن استنباطه من القرآن الكريم، كونه الأوثق تاريخيا في توثيق بعض الممارسات لدى الشعوب والديانات عبر التاريخ، ومن هذا المنطلق يفهم العمق التاريخي لممارسة الصوم عند مختلف الديانات.
ويقول البخاري لموقع الجزيرة نت إذا كان ثمة نص ديني لشعيرة الصيام في الكتب السماوية فكيف يُفهم ممارسة الصوم عند الأديان غير السماوية، معتبرا أن تسرب هذا السلوك الاعتقادي من الأديان السماوية إلى الاعتقادات الأخرى شيء طبيعي بسبب الاحتكاك الثقافي، أما بالنسبة للشعوب المختلفة فتسربت لها هذه الممارسات أو أنها كانت أديان سماوية بالأصل فانحرفت وبقت بعض بقايا العبادات فيها ومنها الصوم.
وأضاف أن الصوم له تأثير إيجابي على صحية الإنسان، ولا يمكن للديانات الوضعية اكتشافها من دون معرفة مسبقة من قوة مدركة تفوق قدرات البشر في تقنين ما ينفع ويضر من ممارسات عملية عبادية بأي صورة من الصور، مشيرا إلى أن هناك من يذهب إلى أن الصيام في الديانة الإبراهيمية والهندوسية القديمة وكذلك في الديانات البوذية لها أصل ديني سماوي يُفهم من خلال النص القرآني (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) والصيام فرض على الأنبياء وعلى الشعوب والبشر الذين أُرسلوا إليهم فانتقلت هذه الممارسة من جيل إلى جيل.
الذين كتب عليهم الصيام
ويؤكد علماء مسلمون أن المقصود في الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) هو الأديان السماوية التي سبقت الإسلام.
وفي محل توضيحه لتفسير الآية الكريمة (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) يقول الناطق الرسمي لدار الإفتاء العراقية وعضو الأمانة العامة للمجمع الفقهي العراقي للوحدة الإسلامية الشيخ عامر البياتي للجزيرة نت أن كتب بمعنى فرض.
وأوضح أن المقصود بـ “الذين من قبلكم” هم أهل الكتاب أي الديانات السماوية، وكان قد فرض عليهم الصيام وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل، لما في ذلك من زكاة النفس وطهارتها.
أستاذ تفسير القرآن الكريم في حوزة أنيس النفوس للدراسات الإسلامية الشيخ منتصر الطائي يرى وانطلاقا من قوله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). وبالتأسيس على الآية الكريمة (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) وهو التسليم لله بالوحدانية وهو القاسم المشترك بين جميع الشرائع السماوية، إلا أن هذه الشرائع قد تلتقي في بعض تعاليمها وأحكامها أو قد تفترق مع الحفاظ على تحقيق التسليم لله والانقياد والتقوى.
ويقول الطائي للجزيرة نت الصيام خير مثال لمحل التقاء الشرائع السماوية وإن اختلفت بعض صوره وتعاليمه بين شريعة وأخرى.
واستدرك بالقول “نحن ملزمون عند المقارنة، وبيان أوجه التقارب والتشابه في الكتب السماوية، أن نبين تحفظنا على بعض ما في الكتب السماوية غير القرآن من وجود تحريف ..”.
ويضيف الطائي: الصوم موجود لدى الشرائع السماوية وإن اختلفت أحكامه بين شريعة وأخرى، فبين ترك أكل السمك كما عند المسيحيين، وبين الامتناع عن تناول اللحوم وذبح الحيوانات كما عند المندائيين، وبين ترك جملة من المفطرات كما عند المسلمين، هذا غير التباين أيضا في مدته، يتضح أن الصوم موجود ومحل التقاء هذه الشرائع في قاسم مشترك هو التسليم لله. المصدر : الجزيرة