الخميس 18 فبراير2021م
بقلم: سيلفيا زوفكيسكا
إعداد وترجمة: د. حورية الظل
سيلفيا زوفكيسكا، فنانة تشكيلية بولندية وناقدة فنية ومدافعة عن البيئة، ومقالها هذا يدور حول مستقبل الفنون البصرية، فهل تساءلت يوماً كيف سيبدو الفن بعد ثلاثين عاماً؟ هل سيشبه عالم الفن الذي نعرفه اليوم؟ أي نوع من الاتجاهات الفنية ستهيمن على المشهد الفني؟ ماذا عن تأثير التكنولوجيا المبتكرة أو تطور المعارض الفنية والمتاحف؟ هل سيساعد الذكاء الاصطناعي الفنانين؟ هل ستصبح أشكال الفن التقليدي، مثل الرسم أو النحت، في طي النسيان؟
تساعد اليوم، وسائل التواصل الاجتماعي الفنانين على الوصول إلى جمهور أوسع حتى في أبعد مناطق العالم، حيث لا تفصل المشاهد عن شراء الأعمال الفنية في أي من المزادات عبر الإنترنت سوى نقرة واحدة.
وينهج الفنانون المعاصرون نهجاً بارعاً وبشكل متزايد تجاه أحدث التقنيات، حيث يدمجونها في ممارساتهم الفنية، فيجربون بشغف، الذكاء الاصطناعي وكذلك الواقع الافتراضي وعلم الأحياء، وعلم البيئة والفن الحيوي، وفن الألعاب، وفن التطبيقات، ورسم الخرائط ثلاثية الأبعاد… ومع ذلك، لا تزال الوسائط التقليدية، مثل الرسم والنحت تتمتع بشعبية ملحوظة إلى حد ما بين الجماهير التي تتوق إلى التفاعل مع عمل فني مادي وملموس، مما يوفر تجربة حية تخضع للحواس، بدلاً من الإحساس بالملل الذي يخلقه التحديق المستمر في شاشة الهاتف أو شاشات الكمبيوتر.
إذن، أي نوع من الأشكال الفنية غير المسبوقة سيظهر في النصف الأخير من القرن الحادي والعشرين؟ ماذا سيفعل الفنانون في الواقع؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، يلزم أن نرتقي إلى مستوى التحدي، ونحاول التنبؤ بمستقبل الفن.
التنبؤ بمستقبل الفن
هل في الإمكان توقع مستقبل الفن؟ بالتأكيد يمكن ذلك، لأن الفن متجذر تماماً في الواقع، ويتأثر شكله وموضوعه بتطور التكنولوجيا، وبالمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبالتقلبات وعدم اليقين وبالتعقيد والغموض الذي يلف ظروف الحياة المستقبلية، وهناك توجه كبير نحو التنبؤ بمستقبل الفن، ولتحقيق ذلك، يتم اعتماد البحث النوعي والكمي الذي يحدد مسار التنمية في مجالات التكنولوجيا والمجتمع والاقتصاد والبيئة والاتصالات… والتي ستتغلغل في حياتنا اليومية على مدار العشرين عاماً القادمة.
التجريد
نحن نشهد بالفعل اتجاهاً فنياً متصاعداً يركز على الخبرة، وعلى أسلوب الحياة الذي تجسده المنتجات المادية، ومن خلال هذا الاتجاه ستخضع التركيبات الفنية لتتعدد الحواس، وسيتعزز ذلك بما هو افتراضي وتقني، وأيضاً سيتم التركيز على الاستجابات الحسية للجمهور والتي تهدف إلى خلق تجربة حية، أو خلق إحساس باللمس، والسمع والشم، رغم التواجد بعيداً عن المعرض أو المتحف، حيث يمكن للمرء أن يرتدي بدلة خفيفة، ويضع سماعة رأس فيستطيع لمس وشم وتذوق وسماع أي روائع يبتكرها الفنانون.
لعبة السرد العميق
ووفقاً للمخترع وعالم المستقبل والكاتب غزير الإنتاج راي كورزويل، سنتمكن قريباً من تجربة القصص والروايات من وجهة نظر الشخصيات، ومن الواضح أن هذه التقنيات ستفتح حزمة من الفرص الجديدة للفنانين الذين يستكشفون حالياً استخدام التكنولوجيا المتقدمة والواجهات التفاعلية في أعمالهم، بهدف تزويد جمهورهم بتجربة غامرة وتشاركية.
وفي المستقبل، قد يتم نقل المشاهدين إلى عالم فني كان يبدو بعيد المنال وهو تفاعلي، وسيتم صنعه بعناية فيبدو موحياً وواقعياً للغاية، وقد يتم تعزيز التجربة باستخدام الصور المجسمة ثلاثية الأبعاد أو الواقع الافتراضي، لدرجة قد تجعل المتفرج/المشارك تعترضه بعض الصعوبات في التمييز بين ما هو حقيقي وما هو افتراضي.
التهجين الجديد
وبعد فن الجسد والفن الحيوي… من المحتمل أن نشهد صعود حركة فنية هجينة جديدة تعتمد على الطباعة ثلاثية الأبعاد لتعديل بنية جسم الإنسان، وأولئك الذين سيمارسون الفن الهجين الجديد… سيستخدمون أحدث الابتكارات في التكنولوجيا والطب، وقد ينبع إلهامهم من عوالم الطبيعة وألعاب الكمبيوتر، وكلاهما مرتبطان بتغيير المدخلات الحسية للفرد، بسبب بعض الجرعات المعجزة، أو العدسات اللاصقة الإلكترونية المدمجة، ونتيجة لذلك، يمكن أن تتدفق رؤية الفنان وإبداعه، مباشرةً إلى الواقع الافتراضي، وتصميم الهوية الرقمية للفرد.
إعادة التدوير
وخلافاً للاعتقاد الشائع، فإن العالم المستقبلي الذي تحكمه التكنولوجيا، سيتطلب تفاعلاً أكبر مع الأعمال الفنية، ومع ذلك، فإن أشكال الفن النخبوية مثل الرسم والنحت ستستهدف قلة من النخبة، ويرجع ذلك أساساً إلى سعرها، ولهذا، سيتخلى بعض الفنانين حتماً عن الوسائط التقليدية ويتبنون التجريب الرقمي، بينما يتفرغ آخرون إلى إعادة التدوير لإنشاء تراكيب زخرفية أو قطع مجمعة بشكل أو بآخر، مستوحاة من التراكم السريع للنفايات من قبل سكان العالم، والتي ستعالج مشكلة الأضرار الجانبية التي سيتكبدها العالم بسبب عوائق «التقدم المادي».
ما بعد المستقبل
المستقبل ليس بالضرورة هو ما سنراه، ولن يكون بالضرورة عقيماً… يمكنك بالتأكيد أن تتذكر الجودة البيولوجية والمادية للتكنولوجيا التي تم تصويرها في فيلم «وجود» لديفيد كروننبرج، وقد تنزاح الحالة الفعلية التي سيكون عليها الفن عن توقعاتنا.. وهناك العديد من الرؤى المختلفة للمستقبل، كما يوجد العديد من علماء المستقبل والمخترعين والفنانين والكتاب، يرون أنه يجب تشكيل المستقبل بشكل جماعي لضمان النمو المستدام للكوكب بأكمله…. ووسط التطورات التكنولوجية الديناميكية، يتعين على المرء أن يضع في اعتباره حقيقة أن المستقبل يحكمه البشر، وليس الآلة، حيث يمكننا أن نقرر كيف وما إذا كنا نرغب في ترقية مجال حياة معين بالتكنولوجيا، ومواجهة معضلاتها الأخلاقية الناشئة حديثاً، والتي ستوجّه تطور وشكل ومحتوى الفن نفسه.