عالم التصوير والمعرفة – بقلم ياسمين الحضري – ارتبطت رحلة قياسي للزمن وتسجيله بحدث متكرّر في حياتي اليوميّة وحياة العديدين وهو انتظار الحافلة، فالوقت المنتظر في بعض الأحيان يفوق الوقت الذي تستغرقه الحافلة في نقلنا. تأخّرت كثيرا وأدركت أنّ الوقت المنتظر مرّ دون أن يُسجّل أو أن يوثّق، هذا الوقت مرّ من غير أن يترسّخ فيه أي فعل أو أي حركة. هذا الوقت الضّائع كان سببا في معرفة قيمته وكما ورد في الشّوقيات 1″دقّات قلب المرء قائلة له…إنّ الحياة دقائق وثواني.” لذلك حاولت أن أسجّل الزّمن المنتظر بالتقاط هذه الصّور التي ستكون بطريقة مدروسة تخضع لسلوك فوتوغرافي.
تنطلق الرّحلة بتثبيت الآلة الفوتوغرافيّة وتحديد إطار للصّورة كخطوة أولى(تحديد جزء من الفضاء المصوّر) 2 بما معناه أنّ الإطار بمثابة السّياج المنتظم الذي يحدّد جزءا من الفضاء. هذا الإطار(الكادر) يحتوي في داخله كوادر أخرى كالمحطّة مثلا بما أنّها تستوعب الشّخصيّات دون أن ننسى شاشة الآلة الفوتوغرافيّة باعتبارها كادر لجميع الكوادر.
تتواصل العمليّة بتحديد الزّاوية بالإضافة إلى تحديد قدر الضّوء المناسب لحفظ الانعكاس. هذا السّكون أو هذا الإطار السّاكن الثّابت والمتكرّر إن صحّ التّعبير يعطي صورة متحرّكة أقرب إلى التّحرّك منها إلى الثّبات تتحرّك بتحرّك شخصياتها فتتحوّل الصّورة إلى وعاء يحوي جزءا من الواقع وتتحقّق بذلك اللّغة البصريّة لسياق العرض بكامله. فالحركة تعبر عن تغير في الكل أو عن مرحلة زمنية من التغير، أو عن جانب منه فاللقطة ثابتة Plan Fixe أي مسجلة بكاميرا ثابتة، بينما الشخصيات هي التي تتحرك. هذه الصّورة المأخوذة عن الواقع هي عبارة عن توثيق له بكامل تفاصيله وتخزين ثّوانيه بما معناه أنّ 1″الصورة هي عنصر من شأنه أن يثير واقع ملموس أو مجرّد” وهنا نستشفّ الوظيفة الإخبارية للصّورة الفوتوغرافيّة بما تنقله من واقع مصوّر. زمنيّة التّجربة تقوم على ثبات الوسيط أمّا تحرّكها يكمن في تأويل وتقييم الصّورة فقد غدت هذه الأخيرة نصّا مفتوحا فالصّورة 2″ سلطة خاصّة في كلّ العصور، فهي في ظاهرها مجرّد وسيط، وفي جوهرها قوّة تتجاوز الوسيط لتتملك المشاهد، ومن هنا يأتي خطرها إنها أشبه بالعصا التي تستحيل إلى أفعى في صيغة إعجازيّة مهما تعدّدت أشكالها ومادّة صوغها وطرق عرضها”.
تفرز ممارستي لهذه التّجربة عديد المصطلحات التي تكون لها دور في ترسيخ هذا المشروع: رصدي للحركات، اقتناصي للحظة، تسجيل الحركات، اقتسام المكان وتواجدي المشترك مع الآخرين في التقاط مسيراتهم نحو أهدافهم المتواضعة ، الشّخصيّة فلا توجد مسافة فاصلة بيني وبينهم إذ أنصهر وحركاتهم، أكتشف مزاجهم
من خلال خطوط وجههم أنتظر معهم، فالكلّ ينتظر ليمضي بعد ذلك فتكون بداية الحكاية ونهايتها ليجمعنا مكان واحد وزمان واحد، هذا الزمن الذي نعبره من لحظة للحظة ومن ساعة إلى ساعة ومن سنة إلى أخرى.
المصدر :