في قلب الصحراء الغربية بمصر، وعلى بعد أكثر من خمسمائة كيلومتر من القاهرة، ونحو خمسة وأربعين كيلومتراً إلى الشمال من واحة الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد، تمتد «الصحراء البيضاء». منطقة تتجاوز مساحتها ثلاثة آلاف كيلومتر، وتمتد بين الواحات البحرية وواحة الفرافرة. وتعتبر «البيضاء» حالياً أحد أهم المقاصد السياحية لعشاق رحلات السفاري والمغامرات، وبخاصة بعد أن أعلنتها الحكومة المصرية محمية طبيعية عام 2002. «اسماً على مسمى» دائماً ما يردد زائرو الصحراء البيضاء هذا الوصف بمجرد وصولهم؛ إذ يغطي اللون الأبيض معظم أرجائها، حتى يتخيل لك أنك في منطقة جليدية، رغم أن جوها حار جداً. كما تحتوي على تشكيلات رملية فائقة الجمال نتجت من عاصفة رملية عارضة مرت على المنطقة منذ عصور، بالإضافة إلى أشجار النخيل والأكاسيا التي تنمو وسط الصخور، لتجد نفسك أمام لوحة فنية متكاملة يمتزج فيها الواقع بالخيال، ولا تتميز الصحراء البيضاء بتشكيلاتها الرملية فقط، فهي أيضاً بمثابة متحف فني لدراسة البيئات الصحراوية، والظواهر الجغرافية؛ نظراً لما تحتويه من كهوف، نقوش قديمة، وبقايا مومياوات، والكثير من النباتات والحيوانات النادرة، والمهددة بالانقراض.
للوصول إليها هناك خيار واحد، وهو الطريق البرية لعدم وجود مطارات أو موانئ بالمنطقة. السفر إليها من القاهرة، يتم عبر إحدى الحافلات، التي تمر عبر أكتوبر – الواحات البحرية – الفرافرة – الواحات الداخلة، قبل الوصول إلى الصحراء البيضاء، وتستغرق الرحلة نحو 5 ساعات.
عند الوصول إليها، ستُعوضك برامجها الغنية بالأنشطة والأماكن الرائعة التي تجذبك لزيارتها تعب الطريق. فما بين مشاهدة الصخور بأشكالها الفريدة والعجيبة، وزيارة كهف الجارة، ومشاهدة جبل الكريستال، ورؤية أكبر عدد من النجوم ليلاً، ستعيش تجربة لا مثيل لها. تقول غادة محمد، التي قامت بأكثر من رحلة للصحراء البيضاء «تحتوي الصحراء البيضاء على صخور فريدة، يشعر من يراها كأنها تماثيل صنعها فنان ماهر، الطريف أن هذه الصخور اشتهرت بأسماء تبعاً لشكلها النحتي، فهناك (صخرة الجمل)، التي تشبه الجمل في تكوينها، (صخرة المشروم)، وهي من أشهر أماكن جذب السائحين داخل المحمية. وعندما تبحث في موقع (غوغل)، ستجد صورة صخرة المشروم، أي عيش الغراب، هي ما يظهر لك في البداية، وهي عبارة عن نحت كبير من الحجر الجيري».
وتتابع قائلة «من المنحوتات العجيبة أيضاً الصخور الأفريقية، وهي شكل من الرمال على شكل قارة أفريقيا، إضافة إلى الصخور المعروفة باسم صخور المخيمات؛ لأنها تأخذ نفس شكل المخيمات».
عبد الله مجدي، الذي يعمل مترجماً بإحدى دور النشر، وهو أحد عشاق السفر والمغامرات، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه يفضل دائماً الحياة البدوية على صخب المدينة وضوضائها «ومنذ أكثر من عشر سنوات، اعتدت القيام برحلات سفاري في مدن مصر المختلفة، مثل سانت كاترين، الغردقة، شرم الشيخ، دهب، مرسى علم، الواحات الداخلة والخارجة، لكن الصحراء البيضاء تستهويني بشكل غير طبيعي. فرغم الأنشطة التي أقوم بها، من رحلات السفاري بسيارات الدفع الرباعي، وركوب الجمال والخيول، إلى تسلق الجبال والاستمتاع بالحياة البدوية بكل تفاصيلها في أماكن أخرى، فإنه لا يمكنني مقارنتها بالصحراء البيضاء سواء داخل مصر أو خارجها».
فطبيعة المكان بما يحتويه من صخور جيرية ناصعة البياض وكهوف نادرة وتشكيلات صخرية – تعود إلى العصر الطباشيري منذ 70 مليون سنة مضت.
وهذا ما جعل موقع «تريب أدفايزر» Trip advisor المختص بشؤون السياحة والسفر يختارها لسنوات عدة من بين عشرين موقعاً سياحياً فريداً وغريباً من نوعه على مستوى العالم.
جبل الكريستال
من المعالم الأخرى التي تشتهر بها المحمية، جبل الكريستال، وهو عبارة عن جبل يتكون من صخور تضم أكثر من 125 نوعاً من أنواع الكريستال المختلفة، جمعتها الطبيعة في كتلة جبلية ضخمة.
تقول الحكايات المتداولة، إن تكوينه حدث عندما ارتبط نيزك ضخم بالأرض منذ ملايين السنين في تلك المنطقة، وكان سبباً في انصهار صخور هذا الجبل، وتحويلها إلى قطع نادرة وفريدة من الكريستال النفيس، الذي يعد من أنقى وأغلى الأنواع في العالم.
كهف الجارة
لا يمكن أن تكتمل زيارتك للصحراء البيضاء دون زيارة كهف الجارة، الذي يبعد عنها بنحو 7 كيلومترات. تقول دينا كمال – شابة ثلاثينية اعتادت على القيام برحلات سفاري في الصحراء البيضاء – لـ«الشرق الأوسط»، ل«ا توجد كلمات مناسبة لوصف جمال هذا الكهف، وفي الوقت نفسه غرابته. حسب قراءتي، فإن الفضل في اكتشافه يعود إلى مستكشف ألماني. كان ذلك بالصدفة حين كان يقوم برحلة في صحراء الفرافرة، وهبّت عاصفة شديدة، اضطرته إلى الاحتماء منها في هذا الكهف».
وتتابع «عندما تدخل إلى الكهف ستندهش من جماله الأخاذ، فهناك تكوينات رسمتها الطبيعة بفضل الترسيبات الرملية والمياه يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وتبدو هذه التكوينات مثل الشلالات الصخرية الصاعدة والهابطة».
العين السحرية
«عين السرو» مكان آخر سيبهرك داخل المحمية، فهي عين مياه جوفية تتميز بأنها جافة طول الوقت إلى أن يقترب منها أي كائن حي، سواء إنسان أو حيوان، فتبدأ الأرض في ملء العين بالماء العذب. بعد أن يمضي الكائن الحي، تعاود الانخفاض حتى تجف تماماً. ويروي أهل المنطقة حكايات كثيرة عن عين السرو، بعضها حقيقي، وكثير منها يدخل في نطاق المبالغات. للوصول إليها تحتاج إلى سيارة دفع رباعي، وأحد أبناء الواحة ليرشدك إلى المكان.
مشاهدة الجبال، والكهوف، وآبار المياه ليست الأنشطة الوحيدة التي يمكنك القيام بها داخل المحمية؛ فنظراً لاتساع مساحة الصحراء البيضاء، تعتبر بيئة جيدة لإقامة سباقات السيارات وراليات المشي، ومن أشهرها رالي الفراعنة، حيث تعد الصحراء البيضاء أحد النقاط الرئيسية لسباق رالي الفراعنة لسنوات عدة متتالية. لكن تم تعديل مسار الرالي خلال السنوات الماضية للدوران حول المحمية دون دخولها؛ حفاظاً على الكائنات الحية والتنوع البيولوجي. هناك أيضاً رالي المشي الدولي، حيث تقوم إحدى شركات السياحة بتنظيم سباق للجري سنوياً يشارك فيه عدد كبير من المتسابقين المصريين والأجانب، ويكون للسباق مراحل عدة في مناطق سياحية عدة داخل المحمية وخارجها.
إذا كانت الأنشطة السابقة يمكن ممارستها في أوقات النهار، فإن زائري الصحراء البيضاء سوف يجدون الكثير من الأنشطة المسائية، أبرزها التخييم؛ إذ يكفي النظر للسماء لترى عدداً هائلاً من النجوم، أو درب التبانة، بل وحتى رؤية كوكب الزهرة.
أين تقيم؟
– فندق هوت سبرينغ إنترناشيونال Hot spring international: ينتمي لفئة 3 نجوم، وهو بسيط بطراز يتلاءم مع شكل المباني في الواحات البحرية، ويتكون من 45 غرفة واسعة، منها 28 تطل على عيون المياه الساخنة. الإقامة في الفندق تتكلف نحو 100 دولار أميركي في الليلة الواحدة.
– فندق القلعة البدوية Bedouin castle يتمتع بإطلالة رائعة على بساتين النخيل والمنحدرات الصحراوية، وعلى مفترق طرق إلى الصحراء البيضاء وواحة سيوة، ويبعد خمس دقائق سيراً على الأقدام من الينابيع الطبيعية الساخنة، كما تتميز غرفه بديكور يمزج بين العثماني والبدوي، كما يقدم الكثير من الأنشطة، مثل رحلات السفاري، والتحليق بمناطيد الهواء.
– فندق ومخيم أحمد سفاري Ahmed safari camp and hotel يتميز بشكل المعسكر، ويقع بين الصحراء وبساتين النخيل في قرية صغيرة في الواحات البحرية. يتوافر به مطعم وخيام بدوية مع موسيقى فلكورية.