دير مار موسى الحبشي هو دير سرياني كاثوليكي قديم في سوريا يقع على مسافة 80 كم شمال دمشق و15كم عن مدينة النبك، على سلسلة جبال القلمون السورية، يرتفع 1320م عن سطح البحر، تشير الكتابات على جدرانه أن بناء الكنيسة الحالية يعود إلى سنة 1058م.
لمحة تاريخية وجغرافية :
شيد الدير في القرن السادس ثم تم تجديده في عام 1556م وصار كرسياً اسقفياً وكان من بين صفوف رهبانة بطريركان نذكر منهم البطريرك يعقوب الاول المعروف بابن المذوق ومن مواليد الاحمدية كان قد ترهب في دير مار موسى ونصب بطريركاً سنة 1512م ،
كما جلس على كرسي هذا الدير اساقفة شهدَ لهم بالفضيلة والحياة التقوية عملوا جاهدين على تنظيم ادراة وشؤون الدير ، كان اخر الاساقفة هو ايوانس الياس الموصللي 1797-1832م قدم من دير مار متى الشيخ في مدينة الموصل -العراق .
مقياس البلاد الحضارية ينبع من ماتركته الشعوب من معالم اثرية ومن ابرز هذه المعالم هو دير مار موسى الحبشي الذي يعتبر مقياس اساسي يعبر عن حضارة السريان وكنوزها وابداعتها ، فكان الدير في بدء الامر وحسب افتراض البعض عبارة عن قلعة رومانية صغيرة بها برج صغير وسور يقع غرب الدير وهما من الطراز الروماني ، مع وجود بعض الاحجار الكبيرة جداً والتي توحي بأن العمل هناك كان ضخماً توفرت فيه امكانيات بشرية ومادية .من جهة أخرى لايمكننا أن نقر بوجود دير في ذلك المكان باسم مار موسى وانما المؤكد بأنه كان ديراً سريانياً وهذا الافتراض مستنداً على مخطوطة مخفوظة في المتحف البريطاني تحت رقم 14559 دون فيها تاريخ الدير سنة575م بالاضافة إلى قطعة نقود معدنية وجدت في مغارة قريبة من الدير أثناء اعمال الترميم والتجديد والقطعة هى بقيمة فلس مصكوكة في نيقوميدية في السنة الخامسة من حكم الامبراطور جوستن الذي حكم البلاد من العام 565-578م .
كان دير مار موسى منذ ان تأسس تابع للكنيسة السريانية الارثوذكسية وكان آهلاً بالنساك والمتعبدين وعامراً بالرهبان وأشهر النساخ والخطاطين .
يقصد دير ما موسى المؤمنون كي يتنسمون نسمات التقوى والفضلية كما يقصدة الفنانون وعشاف الجدرنيات لما فيه من كنوز جدارنية ونقوش فنية رائعة الجمال تتزين بها حوائط الدير .
كان الرهبان في دير مار موسى في مسيرة حياتهم الروحية والديرية ينتهجون نظام اللافرا الذي كان الرهبان في أديرة فلسطين ينتهجونه. ولافرا كلمة يونانية تعني الطريق الصغير لكنه أتخذ مع الرهبان معنى الدير المؤلف من كنيسة ومكان اجتماع .
كان الرهبان يعيشون حياة النسك الكامل حيث ، في بادئ الامر ، يُعطى النساك غرفةً مستقلةً في قلب الدير لفترةٍ من الزمن ومن بعدها ، يأخذ قلايةً منفرةً يعيش فيها حياة النسك ، وفي أيام الآحاد والاعياد يجتمع الرهبان للصلاة وتقدمة القرابين .
كان دير مار موسى ذا مكانةً عالية في منطقة القلمون( محافظة النبك سوريا) نظراً لصلته بأديرة القدس ونجد إثباتاً على ذلك ما قد عُثر عليه من مخطوطات ونصوص في القرن الثالث عشر والرابع عشر تؤكد لنا أهمية الدير وموقعة بالنسبة لكنيسة السريان الارثودكس ، قبل أن ينتقل إلى ملكية الكنيسة السريانية الكاثوليكية في العام 1832م ، حينما أعلن الاسقف غريغوريوس متى إنضمامه إلى الكنيسة الكاثوليكية .
يُظهر لنا التاريخ بأن دير موسى الحبشي قد تعرض إلى السلب والنهب من لصوص قدموا خصيصاً لسرقته وخرابه فشوه فيه جمال الصور والجداريات حتى أن الحياة الرهبانية إنطفئت فيه .
ويذكر ايضا البطريرك مار افرام الاول برصوم أن دير مار موسى كان أهلاً بالسكان النساك حتى سنة 1832م ، إلا أن الحياة الرهبانية خمدت فيه نتيجة ظروفٍ سياسيةٍ .
لدير مار موسى الحبشي كنيسة جميلة يعلو بابها صلبانٌا دوارنية منقوشة ومن هذا الباب نصل إلى رواق الكنيسة الجنوبي ، فالبناء يحتوي على ثلاثة اروقة تمتد من الغرب إلى الشرق ، ويرتفع الرواق الاوسط منتيهاً شرقاً بمحراب كبير تتوجه نصف قبة تهلوها نافذة كبيرة ، كما الربع الشرقي من الرواق الاوسط حاجز من الخشب والحجر يرتفع عن مستوى أرض الكنيسة بمقدار ثلاث درجات ،يفصل قدس الاقداس أو الهيكل عن صحن الكنيسة .
يعود بناء الكنيسة إلى منتصف القرن الحادي عشر كما تثبت ذلك بعض النقوش الموجودة على الجدران ويعود نقش الصلبان على الاعمدة والجدران إلى التاريخ نفسه وتمثل غاليبيتها صليب النور . زينت جدران الكنيسة صور من نمط الفريسكو ، رُسمت فوق بعضها البعض في ثلاث طبقات ، وهناك كتابة تبين لنا تاريخ الرسم ، تعود إلى السنة 1058-1095م وتقول الكتابة ” خلص المصور يوم الاحد في رأس تموز سنة 488م .
تبهرك الرسومات والجداريات التي تقف أمامها مندهشاً ، ولكن بكل أسف طمثت هذه الاعمال برسومات اخرى فوق منها مما جعل البعض منها مشوهاً والبعض الاخر واضحاً على سبيل المثال نجد صورة شخصٍ شعره طويل يصارع اسداً وعلى أغلب الظن هو شمشمون الجبار .
كما نجد على الجدار الشمال من حاجز الهيكل من الخارج جهة صحن الكنيسة أشكالاً هندسية مع مربعات بيضاء اللون وربما تمثل هذه الصورة خيمة العهد وحجاب قدس الاقداس . وهناك صورة أخرى قد تمثل ايليا النبي صاعداً إلى السماء بمركبةٍ ناريه وبيمينه يُعطي رداءه إلى تلميذه اليشاع النبي .
أما الطبقة الثانية من الرسومات فيعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر وابرز ما ظهر منها هو مشهد معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان إلى جانبه نجد صور سمعان العامودي .تتميز رسومات الطبقة الثانية برهافة الحس الفني الروحاني وبالاسلوب المتبع فيعكس تأثير تطور الفن البيزنطي في المنطقة .
الطبقة الثالثة من الرسومات يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر فقد نجد في بادئ الامر كتابةً باللغة العربية تم كتابتها في العام 1504 يوناني أي سنة 1216م ، يقول نصها : عمر سركيس أبن القس ، رحمه الله الموضع المبارك آمين .
تتميز الطبقة الثالثة من الرسومات بالطابع السرياني الاصيل وبالكتابات السريانية وبالبساطة في الالوان ايضاً .
أذاً ، تزين حوائط كنيسة مار موسى الحبشي صورٌ وجداريات ذات المعنى اللاهوتي الواضح منها مثلاً صورة الشارة التي يظهر فيها شروق الشمس المشير على أن المسيح ، شمس البر . كما نجد رسماً للرب يسوع المسيح الضابط الكل ، وصور الرسل منهم بطرس وبولس وصورة الانجيليين الاربعة متى ، مرقس ، يوحنا ، لوقا .
أما قدس الاقداس فيؤلف مضماراً تصورياً شبه مستقل ، على حاجز الهيكل من الخارج نجد رسم العذارى عشر .
من اللواحات البارزة أيضاً في دير مار موسى لوحة الدينونة حيث نرى المسيح الديان مرسوماً في أعلى اللوحة مقابل لوحة البشارة ، كما يظهر في اللوحة المسيح وهو يسلم بطرس المسيح وعن يساره بولس الرسول ،ويظهر في الصورة مذبح عليه صليب في وسطه إكليل شوك .
ظل دير مار موسى الحبشي مزدهرا منذ تأسيسه حتى القرن الثامن عشر والدليل على ذلك بعض المخطوطات والوثائق والجداريات التي وجدت في الدير في تلك الفترة.كما أننا نجد أيقونات تحمل صورة مار موسى الحبشي وكأنه فارس يمتطي حصانا أحمر اللون.من الاماكن التي نجد فيها هذه الصورة أيضا،كنيسة مار سركيس وباخوس في قرية صدد،وهي عبارة عن رسم جدراني يعود تاريخه الى القرن الثاني عشر.وصورة خشبية أخرى توجد في كنيسة السريان الكاثوليك في النبك،وأخرى في مطرانية الروم الكاثوليك في حمص.بعد ما ساءت أحوال الدير وانطفأت فيه ألحياة الرهبانية،عاد الامل من جديد في أواخر القرن العشرين بتضامن بعض المكرسين ليضيئوا الحياة الرهبانية بشموع القداسة ،شاركت جماعة من العلمانيين،في مدينة النبك،هؤلاء المكرسين على اصلاح وترميم الاجزاء المتهدمة من الدير وقاموا باخلاء المكان من رعاة الماعز.
بدأت عملية الترميم في صيف1984 بتعاون مشترك بين أبناء رعية النبك للسريان الكاثوليك والمديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا.كما تعهدت وزارة الخارجية الايطالية ارسال خبراء من معهد الترميم في روما للهدف ذاته.
أول من قدم الى الدير ليضيء شمعة الحياة الرهبانية هو الشماس يعقوب مراد من أبرشية حلب ومن بعده توافد الاخوة والاخوات جاؤوا من بلدان مختلفة ملتزمين الحياة المكرسة بالعمل والصلاة واستقبال الزوار وتقديم المساعدة الروحية لهم.انتهجت هذه الجماعة الحاضرة في كنف دير مار موسى الحبشي،في صلواتها ،ليتورجية واحدة ،هي الليتورجية الانطاكية المستخدمة في الكنيسة السريانية الانطاكية.
|