ما لا تعرفه عن الفضاء ... ماذا نعرف عن الفضاء حتى الآن؟

اكتشافات ونظريات مثيرة شكلت معرفتنا الحالية عن الفضاء!

الفضاء الخارجي واحدٌ مِن أقدم ما أثار في الإنسان الدهشة والتساؤل؛ سماءُ الليل حالكةُ السوادِ الفاتنةُ بشظاياها المضيئة أراقت حِبرَ الشعراء والأدباء وصرفت النوم عن أجفان العلماء والباحثين طيلة قرونٍ من الزمن وحتى اليوم.

في هذا المقال سنتطرّق إلى أهمّ ما اكتشفه الانسان عن الفضاء خلال رحلة بحثه الطويلة، ونتعرّف على إجابات أسئلة بقيت بلا حلّ لآلاف السنين…

ما هو الفضاء؟

الفضاء

مبدأيًّا: الفضاء هو الفراغ الذي يحيط بنا، والفراغ الذي تسبح فيه الكواكب والنجوم والمجرّات.

انشغل العلماء منذ القدم بمحاولة فهم الفضاء، ومن بينهم العالم البريطاني إسحاق نيوتن الذي اعتبر أنّ كلاًّ من الزمان والمكان مطلق، وغير قابل للتغيير، واعتبر أنّ كلّا منهما مستقلّ عن الآخر، واعتمد على هذا التصور في وضع قوانينه ونظريّاته، مثل قانون الجذب العامّ الذي ينصّ على وجود قوّة جذب متبادلة بين كلّ جسمين في الوجود، والذي استُعمل في تفسير دوران القمر حول الأرض ودوران الكواكب حول الشمس.

إلى أن جاء أينشتاين

اينشتاين

طيلة ثلاثة قرون، ظلّ الفضاء في تصوّر الإنسان “فراغًا لا يؤّثر ولا يتأثّر”، ولكنّ هذا المفهوم انهار في مطلع القرن العشرين عندما قام العالم الألماني ألبرت أينشتاين بنشر نظرية النسبية الخاصة سنة 1905، وهي نظرية فيزيائية تقوم على فرضيّتين: النسبية وثبات سرعة الضوء مهما كانت سرعة الجسم الذي يحمل الضوء. تُبيّن النظرية العلاقةَ بين الزمان والمكان وتعتبرهما متّصلين وأنّ كلاً منهما يؤثر على الآخر، وجعلت من الزمان بُعدًا رابعًا أُضيف إلى الأبعاد الثلاث: الطول، العرض والارتفاع، هذا المفهوم الجديد سُمِّي الزمكان أو الزمان-مكان.

سنة 1915، قام أينشتاين بنشر الجزء الثاني من نظرية النسبية: نظرية النسبية العامة، التي تعمّم نظرية النسبية الخاصة وقانون الجذب العام لنيوتن، والتي تَعتَبِر الجاذبية كخاصية هندسية للزمكان، إذ يصبح للفضاء عدّة خصائص كالانحناء، الالتواء والتموّج. بهذا التصورّ الجديد تمكّن أينشتاين من تفسير دوران الأقمار حول الكواكب ودوران الكواكب حول النجوم: تخيّل أنّ الزمكان يشبه قطعة قماش مطّاطية، إن قمت بوضع جسم ذو كتلة هائلة مثل كوكب الأرض على قطعة القماش المطاطية فإنّ هذا سيُسَبِّبُ في انحناء الزمكان، وإن أضفت جسمًا ذو كتلة أقلّ (القمر)، فإنّ هذا الجسم سيدور حول الجسم الأوّل (الأرض) وفق المسار الأقصر والأقلّ طلبًا للطاقة.

الجاذبية وانحناء الفضاء

لقد تمّ إثبات صحّة نظريّات أينشتاين طيلة القرن الماضي بتجارب عديدة، ممّا يثبت صحّة تصوّره عن الفضاء الذي فتح الأبواب نحو الكثير من الإثارة والاكتشافات!

هل سيتحقق حلم أينشتاين أخيراً ونختبر الموجات الثقالية؟ – تقريـر

موت النجوم

من الشائع أنّ أسهل طريقة للعودة في الزمن هي مشاهدة النجوم، ذلك لأنّ الضوء المنبعث من النجوم البعيدة يستغرق عدّة سنوات ضوئية للوصول إلينا، ومن المحتمل أن تكون النجوم التي تراها الآن قد انهارت ولم يعد لها وجود أصلًا.

انفجار النجم

نعم، إنّ النجوم تنهار وتموت لكنّها لا تؤول إلى العدم، إنّما تتحوّل إلى قزم أبيض، نجم نيوتروني أو إلى ثقب أسود!

إنّ النجوم تلمع نتيجة التفاعلات النووية التي تحدث في لبّ كل نجم، والتي تتحوّل على إثرها الأنوية الخفيفة إلى أنوية أثقل مع بعث كميّة من الطاقة تُوفِّر الضغط اللازم لمنع النجم من الانهيار نتيجةَ ثقله.

حين يُستنزف الوقود النووي ويتوقّف انبعاث الطاقة من لُبِّ النجم وينخفض الضغط داخل اللب، ينهار النجم: تخيّل أنّ النجم يشبه البالون المنتفخ، حين ينخفض الضغط فجأة داخل البالون تنهار بنيته… هكذا تموت النجوم.

وماذا بعد الموت؟

انفجار النجوم بأنواعها

يتعلّق قَدَرُ النجم المنهار بكتلته، حيث أنّ هناك ثلاث نهايات محتملة:

القزم الأبيض:

النجم الابيض - القزم الابيض

عندما يقترب النجم الصغير أو متوسط الكتلة – الشمس مثلًا – من الانهيار، يطرد طبقاته الخارجية على شكل غيمة مكونة من غاز الهيدروجين والغبار والبلازما تسمى بالسديم الكوكبي، ولا يبقى من النجم سوى قلبه الذي يشكّل “القزم الأبيض”، قطرُه يساوي قطر الأرض تقريبًا أي واحد بالمئة من قطره الأصلي، والحرارة الشديدة الناتجة عن الانفجار هي التي تُكسِب النجم اللون الأبيض، ولهذا يسمى “القزم الأبيض”، ولكنّه يفقد حرارته تدريجيًا إلى أن يبرد تمامًا خلال ما يقارب البليون سنة.

النجم النيوتروني:

النجم النيتروني

النجم كبير الكتلة (حوالي خمسة أضعاف كتلة الشمس) يمرّ بانهيار أعنف بكثير، حيث أنّ الطبقات الخارجية للنجم تُقذَف إلى الفضاء في انفجار هائل يسمّى المستعرّ الأعظم (سوبرنوفا) الذي يتميّز بتشكّل سحابة كرويّة من البلازما شديدة البريق. ما يتبقّى من النجم المنهار هو ما يسمّى النجم النيوتروني، المشكّل من نيوترونات طبعًا، حيث أنّ كلّ ذرّات المادّة تُسحق تمامًا، أمّا البروتونات فتستقبل الإلكترونات وتتحوّل إلى نيوترونات.

تمّ اكتشاف النجم النيوتروني سنة 1968.

الثقب الأسود:

الثقب الاسود

واحدٌ من أكثر الأمور غموضًا في الكون. تنبّأ أينشتاين بوجوده سنة 1916 بفضل نظريّة النسبية العامّة، ولم يتمّ اكتشاف أوّل ثقب أسود حتّى سنة 1971.

خصائصه غريبة جدّا، حيث أنّ قلب النجم ذو الكتلة الهائلة ينهار بصورة لامتناهية، مشكّلا التواءً في الفضاء، بحيث لا يمكن لأيّ شيء أن يفلت من قبضة جاذبيّته الجبّارة الناتجة عن ضغط المادّة في مساحة ضيّقة، ولا حتّى الضوء! وبما أنّ الضوء لا ينبعث من الثقب الأسود، لا يمكن لأحد رؤيته. يستعمل العلماء لإيجاد الثقوب السوداء التلسكوب الفضائي وعدّة وسائل خاصّة تمكّنهم من دراسة النجوم القريبة من الثقوب السوداء والتي تتحرّك بطريقة مختلفة عن النجوم الأخرى.

من التصوّرات الشائعة أنّك إن انطلقت في رحلة داخل الثقب الأسود سينتهي بك المطاف واحدًا من أصناف السباغتي، في حين أنّ أحدث الدراسات تقترح أنّك ستُشوى آنيًّا بتأثيرات الكمّ بدلا من ذلك.

الثقب الاسود ستيلر

لا يُعتبر موت النجوم وانهيارها أمرًا محزنًا أبدًا، إنّما هو من أكثر الأحداث الكونية سحرًا على الإطلاق!

التوسع الكوني

التوسع الكوني والمادة المظلمة

من المحتمل جدًّا أن يكون قد تبادر إلى ذهنك أثناء قراءتك لهذه الأسطر السؤالُ الذي حيّر علماء الفلك لآلاف السنين ولم يقدروا على الوصول إلى جواب شافٍ له حتى بدايات القرن العشرين، وهو: هل الكون منتهٍ أم أنّه يستمرّ إلى اللانهاية؟

حاول الإغريق القدامى تخيّل كيف سيكون الكون إن كان لا محدودًا، وفي نفس الوقت كيف سيكون إن كان محدودًا؟ ماذا لو وصلت إلى أقصى حدود الكون؟ ماذا سيحصل لو وضعت يدك خارج الكون؟ إنّ كلّ تصوّرِ مثيرٌ جدًّا إلى درجة تعصف بمخيّلتك…

بقي حجم الكون وعمره علامة استفهام تسبح في فضاء غامض، واعتكف العلماء لإيجاد حلّ لهذا اللغز، مثل هاينريش أولبرز الذي كان يقول بأنّ الكون محدود لأنّه لو كان غير ذلك لكانت السماء في اللّيل لامعة تمامًا مثل سطح نجم لأنّ عينيك ستقعان على نجم أينما نظرت، وبما أنّ السماء في الواقع بها مساحات مظلمة، فإنّ الكون محدود. أمّا إسحاق نيوتن فقد كان يؤكّد أنّه لو كان الكون محدودًا لانهار بفعل قوّة الجذب المتبادلة بين الأجسام… وبما أنّ إجاباتهما كانت متناقضة، فإنّها كانت تثير حيرةً أكبر.

مجدّدًا، ظهر أينشتاين بنظريّة النسبية العامّة كبطل خارق بعصا سحريّة، حيث تؤكّد معادلاته أنّ الكون يجب أن يكون إمّا في توسّع أو في تقلّص، لكنّ أينشتاين كان يؤمن أنّ الكون مستقرّ ولهذا غيّر المعادلات آخذًا في عين الاعتبار قوّة مضادّة للجاذبية تبقي الكون في استقرار وأضاف ما يسمّى: الثابت الكوني.

إدوين هابل

سنة 1929، قام إدوين هابل باكتشاف توسّع الكون – ممّا أكّد صحّة المعادلات الأصلية لأينشتاين الذي قال أنّ “الثابت الكوني أكبر هفواته”. اكتشاف هابل أدّى إلى الاعتقاد بأنّه في الماضي السحيق كان الكون كلّه نقطة واحدة، ومنه تمّ وضع نظريّة الانفجار الهائل:  The big bang.

سنة 2011، حصل فريق العلماء: سول بيرلموتر وبريان شميدت وآدم ريس وعلى جائزة نوبل للفيزياء بفضل الدّراسات التي أجروها على المستعرّات العظمى والتي تبيّن أنّ التوسّع الكوني ليس في تسارع متناقص – كما كان يعتقد معظم العلماء – وإنّما هو في تسارع متزايد! ممّا قاد إلى اكتشاف الطاقة المظلمة ووضع الكثير من الفرضيّات المذهلة عن مصير الكون… لكنّنا لا نعلم الحقيقة الكاملة لما يجري حولنا حتّى الآن.