التصوير الإسلامي في الهند
مؤسسة هنداوي
تقلص نفوذ المسلمين في غربي الهند حتى احتل بابر أحد حفدة تيمورلنك مدينتي دلهي وأجرا سنة ١٥٢٦، وأسس عاهلية الهنود المغول التي ظلت تحكم في الهند وجزء من أفغانستان منذ سنة ١٥٢٦ حتى سنة ١٨٥٧. ولكن هذه الأسرة التي كان مهدها إقليم التركستان وجدت في الهند أساليب فنية وطنية عريقة في القدم وذات آثار بديعة ولا سيما في النحت والتصوير. ولذا كان موضوع التصوير الهندي واسعًا لا يسمح المجال أن نفيه حقه من البحث في هذا المقال — فحسبنا أن نقسم الصور الهندية إلى مدرستين: مدرسة المغول، ومدرسة راجبوت.
أما مدرسة المغول فهي هندية متأثرة كثيرة بأساليب الفنانين الإيرانيين الذين ساهموا في قيامها. وأقدم ما يعرف من آثارها الفنية يرجع إلى عصر الإمبراطور بابر (١٥٢٦–١٥٣٠) وعصر الإمبراطور أكبر (١٥٥٦–١٦٠٥)، ولكن الصور التي تنسب إلى عصر بابر نادرة جدًّا ولعل أحسنها صورة معركة بحرية. وكانت هذه الصورة في مرقعة (ألبوم) للإمبراطور جهانجير وهي الآن في مكتبة الدولة ببرلين ويظهر في أسلوبها التأثر ببهزاد وبمدرسة بخارى. ويجدر بنا في هذه المناسبة أن نشير إلى أن عواهل المغول الهنود كان لهم ولوع كبير بحفظ المرقعات المحتوية على بدائع الصور المستقلة من غير أن يصرفهم ذلك عن جمع المخطوطات ذات الصور الفنية.
أما الإمبراطور همايون الذي خلف بابر سنة ١٥٣٠ فإنه اضطر إلى ترك عرشه سنة ١٥٤٠ وظل منفيًّا في إيران إلى سنة ١٥٥٥، ولكن الشاه طهماسب أكرم وفادته فظل ضيفًا عليه طوال هذه المدة، وتعرف فيها إلى كثيرين من أعلام المصورين في البلاط الإيراني. ولا سيما مير سيد علي وخواجه عبد الصمد الشيرازي الذي أصبحا بعد ذلك مصورين في بلاط همايون. وطلب منهما أن يوضحا قصة «أمير حمزة» الفارسية بأربع مئة وألف صورة كبيرة مرسومة على القماش. وقد ظلت بعض هذه الصور محفوظة حتى الآن وموزعة بين المتاحف والمجموعات الأثرية ولكن عددًا كبيرًا منها محفوظ اليوم في متحف الفنون الصناعية بمدينة فينا. والمعروف أن أكثر هذه الصور قد رسمت في عهد الإمبراطور أكبر الذي خلف همايون على عرش الهند. وقد عمل في رسمها مير سيد علي وعبد الصمد وتلاميذهما من المصورين الهنود.
وقد كان الإمبراطور أكبر راعيًا كبيرًا للفنون ولا سيما التصوير، فكانت جدران قصوره في عاصمته الجديدة «فتح بور سكرى» وفي سائر أنحاء ملكه محلاة بالنقوش والتزاويق من عمل الفنانين الإيرانيين والهنود. وقد أسس هذا الإمبراطور مجمعًا للفنون وظف فيها زهاء سبعين مصورًا، جلهم من الهنود. وكان هؤلاء المصورون يرسمون الصور لتوضيح المخطوطات الفارسية المختلفة وتزيينها، وذلك بإشراف أساتذة من المصورين الإيرانيين. وكان الإمبراطور يجمع لهم في مكتبته الخاصة أبدع النماذج بريشة أعلام المصورين الإيرانيين لدرسها والاهتداء بها. وكانوا يوفقون في تقليدها إلى أبعد حدود التوفيق حتى لا يستطيع تمييزها عن الأصل إلا ذوو الخبرة في الفنون الإسلامية ممن يستطيعون إدراك الفرق في اللون وفي بعض التفاصيل الدقيقة. وقد كان يحدث أحيانًا أن يضع الفنان اسم فنان مشهور على الصورة المنقولة، كما نرى في خمسة صور بمخطوط من كتاب «هفت بيكار» للشاعر نظامي والمخطوط محفوظ في المتحف المتروبوليتان بنيويورك، وعلى الصور الخمس إمضاء بهزاد.
ولكن المصورين الهنود الذين نبغوا في المجمع الفني السالف الذكر بازوان ودارم داس وفروخ بج وناد سنغ ولال.
ومهما يكن من شيء فإن الصور الهندية في ذلك العصر عليها طابع إيراني قوي لم يضعف إلا في نهاية القرن السادس عشر حين ازداد تأثر هذه الصور بالأساليب الفنية الهندية القديمة. ومما يجدر ملاحظته أنه يحدث في هذه الصور الهندية أن يشترك في رسم الصورة أكثر من مصور واحد فيكون عليها إمضاءان أو ثلاثة ويكون فيها قسمان مختلفان.
ومهما يكن من شيء فإن أهم ما ساهم به المصورون الهنود في قيام المدرسة الهندية المغولية إنما هو الدقة في رسم الأشخاص والإتقان في رسم المناظر الطبيعية ومراعاة قوانين المنظور إلى حد كبير ومزج الألوان بطريقة يصعب على مؤرخ الفن وصفها. ولكنها تمثل الهدوء وتعتبر إلى جانب الملابس وسحن الأشخاص وطراز العمارة والمناظر الطبيعية، مما يدل على أن الصورة هندية وليست إيرانية. والواقع أن الخبراء وذوي الإلمام بتاريخ الفنون يستطيعون أن يروا في الصور الهندية نتاج أمة آرية متأثرة بالشرق الأدنى. فالصور الهندية إذن ولا سيما المتقن منها في تصوير الحيوانات والمناظر الطبيعية ليست بعيدة عن الصور الغربية بُعْدَ سائر الصور الإسلامية عنها. ولا سيما أن هناك تيارًا آخر أثر في المصورين الهنود، إذ عرفوا الصور الأوروبية على يد المبشرين. ويقال إن الإمبراطور أكبر طلب إلى البرتغاليين في جوا أن يبعثوا إلى مملكته ببعض المبشرين ومعهم الكتب المقدسة والدينية التي كان يريد دراستها وتفهم ما فيها. فكان مما أحضره المبشرون كثير من الصور الدينية المسيحية، وقلدها بعض المصورين الهنود.
وكان رجال المدرسة الهندية المغولية يصورون بعض الموضوعات التي عرفها زملاؤهم الإيرانيون، كما كانوا يرسمون في كثير من الأحيان الناكسين والمتقشفين من الهنود، يستقبلون الأمراء والنبلاء، ويسدون إليهم النصائح الثمينة.
وكان الشاه جهان أقل اهتمامًا بالتصوير من أسلافه ومع ذلك فقد ظل إنتاج الصور الشخصية عظيمًا في الهند. ومن أشهر مصوري هذا العصر مير هاشم ومحمد فقير الله خان.
ولما تولى أورنجزيب (١٦٥٨–١٧٠٧) انقطعت صلة المصورين بالبلاط، وأصبح النبلاء وكبار الموظفين مصورين يشملونهم برعايتهم، وكان زوال الرعاية الإمبراطورية إيذانًا باضمحلال المدرسة الهندية المغولية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
أما المدرسة الأخرى وهي مدرسة راجبوت في الهند فقد كانت تقوم إلى جانب المدرسة المغولية، ولكن أساليبها الفنية كانت مأخوذة عن الأساليب الفنية في نقوش الجدران بالهند القديمة، وكانت فضلًا عن ذلك شعبية تختلف في موضوعاتها عن المدرسة المغولية. وبينما كان رجال المدرسة المغولية يرسمون صور الأباطرة، وصور الحوادث المهمة، وصور الحيوانات والطيور، كان الفنانون في مدرسة راجبوت يرسمون الموضوعات المستمدة من القصص الشعبية، والملاحم الهندية، ونوادر الآلهة والقديسين. وأقدم ما يعرف من الآثار الفنية المنسوبة لمدرسة راجبوت يرجع إلى القرن السادس عشر.
وفي دار الكتب المصرية مرقعات من الصور الهندية في إحداها صور من المدرسة الهندية المغولية في القرن الثامن عشر وقد كتب بعض اسم بهزاد أو ماني. ولكن ألوانها وموضوعاتها وملابس الأشخاص المصورين فيها وأسلوبها الفني؛ كل ذلك ينطق بأنها هندية من العصر المتأخر الذي اضمحل فيه التصوير الهندي، بعد أن تخلى عن تعضيده البلاط الإمبراطوري في بداية القرن الثامن عشر.