جاء فوز فيلم البعد الثالث “آفاتار” “AVATAR” ومخرجه “جيمس كاميرون” بجائزة الكرة الذهبية لأفضل فيلم درامى, وبنفس الجائزة لأفضل مخرج ليؤكد على أن هذا العمل لا يمثل فقط قفزة تقنية فى مجال سينما التحريك والمؤثرات البصرية , ولكنه يتضمن أيضاَ قيمة فكرية حيث يدافع عن الحلم بإنسان جديد أكثر توافقاَ مع البيئة والطبيعة, وأكثر تسامحاَ واحتراماَ للآخر حتى لو كان يمثل حضارة غريبة أو مختلفة, إنسان يرفض التدمير ويحب السلام ويعود بحياته إلى العالم القديم حيث العيش فى أحضان طبيعية تخلو من التلوث, وحيث الفطرة هى التى تدير وتوجه الامور كما كان يحلم الفيلسوف “جان جاك روسو” منذ سنوات طويلة.
يدور الفيلم حول عالمين : عالم حديث متقدم تمثله بعثة فضائية أمريكية تحط الرحال على كوكب أفتراضى هو كوكب باندورا, وعالم بسيط بدائى يذكرنا بحياة الفطرة فى تجسيد عالم خيالى مدهش يقترب كثيراَ من عالم الحواديت.
تستطيع أن تعتبر “آفاتار” من تلك الأعمال الفنية والأدبية التى تبشر بعالم جديد سعيد وبأنسان أكثر شجاعة, اليوتوبيا فى أحترام ثقافات الآخرين وفى الإيمان بالأختلاف, العالم المثالى المفترض فى رفض استخدام القوة لإبادة الشعوب كما فعل الأمريكيون مع الهنود الحمر, وهناك إسقاطات سياسية واضحة تدين حرب أمريكا ضد ما أطلقت عليه الإرهاب بوسائل شديدة العنف والقسوة, يحلم جيمس كاميرون فى الفيلم بمولد إنسان جديد مختلف هو”الآفاتار” يكون أكثر تعاطفاَ وذكاءاَ, وأكثر توافقاَ مع الكون ومع بنى البشر.
على المستوى البصرى تتحول المقابلة بين الإنسان الحديث وعالم “النافى” إلى مقابلة بين الممثلين العاديين والكائنات الافتراضية التى يلعب الكمبيوتر دوراَ أساسياَ فى تحريكها جيش هائل من الرسامين والفنيين عكفوا على أبتكار تلك الكائنات الغريبة التى تأتلف مع الطبيعة ونباتاتها وحيواناتها, العالم نفسه مشتق من دنيا الحواديت حيث التنين الطائر والخرتيت البدائى, أما الألوان فيتغلب عليها اللون الأخضر لون الزرع الذى يتراجع أمام سوء أستخدام الإنسان لموارد الطبيعة, الحقيقة أن الانتقال من عالم النافى الواسع فى باندورا حيث تطير الكائنات فى الهواء, وحيث تنام فى هدوء فى أحضان أوراق الشجر العملاقة إلى عالم سفينة الفضاء المغلقة حيث الملابس العسكرية والألوان الكئيبة, هذه المقارنة تجعل الاختيار محسوماَ بالانضمام إلى عالم “النافى” البسيط, أليس هو العالم الذى يلقن الجندى الأمريكى أن الحضارة فى التسامح وفى الحب وفى أحترام الآخر وليس فى الحرب ضد الإرهاب .. بالإرهاب ؟!
بقلم/ محمود عبد الشكور مجلة اكتوبر العدد 1738بتاريخ 14/2/2010