– الوسط …إعداد وحوار : روعـة يـونـس
أول فنان سوري يحصل على عضوية دائرة الفنانين في كندا.. رنـدة حـجـازي: أعمل بحب وجهد لأقدّم للعالم أبهى صورة عن وطني
لا سقف لطموحاتي ولا يمكن تحديدها جغرافياً ..
صحيح نحن أمام فنانة تشكيلية رائعة، حازت أعمالها على إعجاب النقاد والمعنيين بنقد الفن ودراسته، وصولاً إلى نيلها مؤخراً عضوية فنان في دائرة فناني ورسامي كيبيك- كندا، حيث تقيم هناك منذ عدة سنوات.
لكن رنـدة حـجـازي لم تكتفي بالدراسية الأكاديمية لفن التشكيل، وأرفدته بدراسة الإعلام، وعملت في تصميم الديكور وكذلك التصميم الفني “جرافيك”. ولا أحد يعلم عن طموحاتها، فهي نفسها ترى أن طموحاتها لن تقف عند حد، وستواصل ليس فقط لبلوغ العالمية، بل لتصطحب سوريتها معها إلى كل العالم، عبر الريشة واللون والقضايا التي تملأ قلبها وضميرها.
لن أطيل في التقديم للفنانة حجازي التي جعلت من مساحات العالم قماش لوحاتها الخام، ومن الدمع والدم ألوانها، لكن بريشة مغموسة بالبسمة والأمل.. لأنها هنا من خلال هذا الحوار ستقدّم لنا نفسها وأعمالها وآمالها.
قضايا إنسانية ..
تقريباً، أنتِ أول فنانة تشكيلية أحاورها، بدأت الرسم في السنة الثانية من عمرها! ما هو السر وراء هذا الميل المبكر جداً نحو الرسم؟
- لم أعرف نفسي يوما” أنني غير عاشقة للفن، أظن أنني ولدت مع الفن من رحم واحد. وكان الفن هو المرافق الأكبر لي لبناء شخصيتي. بدأت قصتي مع الفن من أول مرة أمسك فيها قلم بحياتي، كنت أحاول أن أنقل كل ما أرى على الورق. وباعتقادي أن الفن هو نعمة من الله تولد مع الإنسان فهي ليست موهبة مكتسبة وإنما تأتي بالفطرة. وما علينا إلا أن نصون هذه النعمة التي تحمل رسالة إنسانية غنيّة للعالم أجمع، وأن نعمل على تطويرها قدر المستطاع.
كيف سارت الأمور بعد ذلك؟ بعيداً عن المدرسة والأهل؟ أقصد أكاديمياً؟
- حبي و شغفي للفن عامة وللرسم خاصة هو السبب وراء تطوير هذه الموهبة بشكل فردي، إلى أن وصلت إلى المرحلة الجامعية، فتابعت دراستي في كلية الفنون الجميلة وصقلت موهبتي بالعلم وبعدها بالخبرة والمثابرة. وكوني أرى الحياة من منظور مختلف ومراقبة جيدة لكل تفاصيل الحياة التي تدور من حولي، كل ذلك دفعني لمتابعة دراستي في كلية الإعلام فدرست وتخرجت من كلية الإعلام. وبالفعل أضاف لي الكثير مهنياً. هنا بدأت العمل كصحفي مصور لأهم الأحداث ونقلها وتحويلها لأعمال فنية وبالتالي أضاف لي هذا الكثير من الوعي باتجاه التقاط أهم القضايا الإنسانية والاجتماعية، والكثير من المصداقية في نقل الواقع أو إعادة صياغة الواقع بطريقة تحمل الكثير من الحلول.
منظور مختلف ..
كفنانة مغتربة.. هل تتابعين الحركة التشكيلية في سورية؟ ما تقييمك لها؟
- =طبعاً، بكل تأكيد وحريصة كل الحرص أن أبقى قريبة جداً من زملائي السوريين ومتابعة كافة أعمالهم بكل شغف ومحبة، كما أفرح لأي نحاج، فنجاح أي فنان سوري هو نجاح سوري بالمجمل. وأظن أنه لا يحق لنا كفنانين أن نقيّم أعمال بعضنا البعض فلكلّ منا تجاربه الخاصة ومفهومه الخاص وأسلوبه الخاص في الحركة التشكيلية السورية! وما علينا إلا احترام تجارب بعضنا البعض وعدم الانتقاص من أي عمل، فكل تجربة على حده تستحق الاحترام والتقدير. لكن ما أستطيع قوله أن الحركة التشكيلية السورية قوية جداً ولم تنقطع طيلة فترة الحرب بل على العكس كانت دافعاً كبيراً لإنتاج أعمال فنية مهمة وضخمة تستحق الوقوف عندها وتأملها جيداً. وبرأيي الشخصي أهم الاعمال الفنية على مرّ العصور كانت نتاج معاناة وآلام حلّت بأصحابها.
لاشك يرى الفنان التشكيلي الحياة من منظور مختلف عن البقية.. سأسألك بداية عن منظورك حيال الحياة. ثم منظورك حول الحرب؟
- أضمّ نفسي إلى قائمة الفنانين الملتزمين، فأنا فنانة ملتزمة بقضايا المجتمع والإنسان. وأكثر ما يلفتني هو الدفاع عن المستضعفين الذين بحاجة أن نطلق صرخة من أجلهم في المجتمعات. فالفن رسالة وإذا لم نمارس هذه المهنة بإنسانية وحب لا يمكن أن نحصل على احترام الناس ولا حتى على احترام أنفسنا. فأنا حريصة كل الحرص على أن يكون عملي خادم جيد للمجتمعات والمستضعفين. دائماً أقول أن الفن ليس للتّرف الفكري أو للطبقات الاجتماعية المخملية أو المثقفة فقط، بل علينا أن نعمل من أجل أن تصل أفكارنا كفنانين لكل الطبقات الاجتماعية وبنفس الوقت أن يصل هذا الصوت إلى صناع القرار لإيجاد حلول مناسبة لكل مشاكل المجتمع. لذا أرى الحياة عبارة عن دوامة مستمرة نولد ونموت فيها ونحن نحاول فكّ لغز هذه الحياة، وما هو ممتع بالنسبة لي هو التحليل الدقيق لمفاهيم الحياة وإعادة صياغتها كما يحلو لي أو كما أراها من منظور خادم لمجتمعاتنا وتطور البشرية، بعيداً كل البعد عن الشر وما تخلفه لنا الحروب. تبقى الحروب واقع أليم لكن في نفس الوقت يبقى أملي بما وهبني اياه الله من موهبة كمدافع أول وأخير عن كل ما يشوه مفهومي للحياة.
مشروع مهم ..
تعاطيتِ مع الحرب بشكل مباشر، وجهاً لوجه. نزلتِ إلى الشوارع والتقطتِ صور الحزن والقهر والوجع والخوف في “حالات 2015”. ذكّرينا بتلك التجربة، وأين عُرضت اللوحات؟
- أقمت معرض (حالات) عام 2015 في غاليري مصطفى علي (دمشق القديمة) وكذلك في دار الأسد للثقافة والفنون (دمشق). وبالطبع فإن ما جرى في سورية عبارة عن تعذيب مدمي لروح كل فنان سوري يعشق بلده.. لكن في النهاية هذا هو واقعنا المرير الذي لا مفر ولا مهرب منه وعلينا مواجهته بشتى الوسائل الممكنة وكل منا من موقعه ومكانه وعمله يدافع عن بلده .. فالفنان سلاحه إحساسه المرهف وريشته و ألوانه.. وكوني إعلامية وفنانة تشكيلية معاً، حاولت قدر الإمكان أن أبرز ما تعني لي سورية وأن أبرز أهم آلامها من خلال معرض بعنوان (حالات2015) الذي تحدث عن الحالات النفسية الذي تعرض و مازال يتعرض لها الشعب السوري في ظل هذه الحرب الكونية عليه.. فكانت مهمتي بالبداية هي حمل كاميرتي الخاصة والنزول إلى شوارع دمشق والتقاط وجوه الناس بكل تعابيرها فكل لقطة ووجه كان له حكاية مؤلمة ونهاية حزينة. فكانت بداية المشروع عبارة عن توثيق إعلامي وطبعاً أخذ مني مجهوداً كبيراً وأتعبني نفسياً كوني كنت أراقب مشاعر الناس و أحاسيسها وحزنها وألمها عن كثب.. بعدها انتقلت إلى مرحلة العمل الفني وتوثيق ما أخذته من الواقع بعمل فني.. وكانت النتائج جيدة ومرضية جداً عما قدمته خلال 3 سنوات من العمل على هذا المشروع المهم.. وهدفي منه تسليط الضوء على واقع سوري أليم و لكن بنظرة فنية جمالية تتقبلها العين البشرية والروح الإنسانية. فكل ما فعلته هو وضع شرشف من الحرير على الجرح السوري محافظة قدر الإمكان على مصداقية نقل الوقائع لكن بصورة مقبولة للعين بدلاً من التشويه الذي يطغى على شوارع دمشق و ناسها. وما زال لديّ الكثير لأقدمه عن سورية.
ربما حال البعد الجغرافي دون أن يكون هناك معرض “حالات” جديد؟
- دمشق أعطتني كل ما أملك ولي الفخر والامتنان لها كوني ابنة هذه الحضارة، فرغماً عني وبدون أي تفكير ستجدون دمشق في كل عمل أقوم به حتى لو كان خارج الوطن الحبيب. بكل تأكيد سيكون هناك حالات جديد داخل حدود الوطن، لكن هذه المرّة سوف تكون حالات من الفرح والسعادة والانتصار. وأتمنى أن يحالفني الحظ قريباً بمعرض يليق بالمتلقي ومحبيّ الفن التشكيلي في سورية.
عالم المرأة ..
هل تنوعت اهتماماتك وقضاياكِ الفنية مع وجودك في الاغتراب؟
- بكل تأكيد، فالانفتاح على ثقافات متعددة ومتنوعة يطلق العنان والمخيلة للفنان ويزيد من قدرته على التصدي لكل ما هو مخالف لإنسانيتنا كبشر والتعبير عنه بشكل أوسع وأدق. بالانفتاح نستطيع المقارنة بشكل صحيح ويزيدنا فهم أعمق لمعنى الحياة والوجود بالإضافة إلى أنه يفتح لنا إمكانية المقارنة بين عدّة مجتمعات وإيجاد المشاكل الأعمق والتحليل التفصيلي لها. وبالتالي يكون العمل الفني أكثر موضوعية وإثارة للمجتمعات المتلقية. لكن تبقى القضايا الإنسانية المعذّبة في مقدمة اهتماماتي كوني فنانة ملتزمة بقضايا الناس والمجتمع.
تنظرين إلى أحوال المرأة بأسى كونها مظلومة ومقموعة، ولم تستطع كل جمعيات ومنظمات ومؤتمرات المرأة تغيير أحوالها؟ هل تعتقدين أن الفن التشكيلي يستطيع ذلك بينما فشلت المحاولات الرسمية؟
- من أكبر اهتماماتي الدخول إلى عالم المرأة ومحاولة قراءتها بشكل جديد ومنفرد وتسليط الضوء على حالة الإحباط الداخلية لديها، لما تعانيه من مسؤوليات وضغوط اجتماعية كبيرة، فنلاحظ استخدامي تقنية الرصاص والاكريليك في اللوحة التي تخصّ المرأة على وجه التحديد (الرصاص) هو تقنية جافة خالية من الحياة والحيوية وأرسم به وجوه المرأة التي أعبر من خلاله عن داخلها المتعب. أما (الاكريليك) تقنية حيوية وفيها تأثير لوني كبير فمن خلاله أحاول إيجاد الحلول لتزين عالم المرأة ومساعدتها على الخروج إلى الحياة بحب وفرح. كل امرأة لها طريقتها في الظهرو، منها بالعلم، منها بالزواج والأطفال، منها بالتبرج والزينة، منها بالأعمال الخيرية و ساندة الضعيف…إلخ فالمرأة في مجتمعاتنا تحتاج إلى الكثير من الدعم، بكل صدق لا أهتم للتطبيل والتزمير الذي يحصل عادة في احتفالات عيد المرأة وغيرها من المناسبات التي نراها على شاشات التلفزة سنوياً. فخلف هذه الشاشات يختبئ الكثير من الظلم والعنف والتهميش الذي يمارس بحق المرأة. وطبعاً الفنان كصاحب رسالة إنسانية يحاول جاهداً رفع الصرخة عالياً حتى لو كان من الصعب سماع تلك الصرخة. لكن ما علينا إلا الاستمرار فنحن أصحاب رسالة وأمانة من الله علينا أن نكون أوفياء لها.