كيف قرّر المتصوف الهندي أوشو: بتواجد الحب تتواجد الكراهية؟

ولد تشاندرا موهان جاين في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1931
كاتب مصري
2019-12-12

ترنو تعاليم المتصوف الهندي أوشو إلى تعميق حواس التأمل، والوعي، والحب، والاحتفال، والشجاعة، والإبداع. كما تركز على تلك الصفات التي كان يُنظر إليها على أنّها مقموعة ومكبوتة نتيجة الالتزام بالنظم العقائدية الثابتة، والتقاليد الدينية والتنشئة الاجتماعية. وهو يعتقد أنّه بتواجد الحب ستتواجد الكراهية.

بتواجد الحب ستتواجد الكراهية، وعليك أن تجد هدفاً لتسقطها عليه. كلما أحببت أكثر تصاعدت كراهيتك أكثر، هذا هو الثمن

ولد تشاندرا موهان جاين في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1931 وتوفي في 19 كانون الثاني (يناير) 1990، وهو معروف أيضاً باسم أتشاريا راجنيش من العام 1960 وصاعداً، وبهاجوان شري راجنيش بين عامي 1970 و1980، وأوشو منذ عام 1989.
يعدّ أوشو متصوفاً ومعلماً روحياً لديه أتباع من كل أنحاء العالم. كان أستاذاً في الفلسفة، سافر إلى جميع أنحاء الهند خلال عقد الستينيات كمتحدث عام. انتقاداته الصريحة للاشتراكية، والمهاتما غاندي والأديان المنظمة أثارت الجدل حوله.
دعا أوشو إلى موقف أكثر انفتاحاً تجاه العلاقات الجنسية، مما أكسبه لقب “معلم الجنس” في الصحافة الهندية ولاحقاً العالمية.
في عام 1970 استقر راجنيش لبعض الوقت في بومباي، حيث أصبح معلماً روحياً بين تلاميذه المعروفين بالسنياسيين الجدد. أعاد تفسير كتابات التقاليد الدينية، وكتابات الصوفيين والفلاسفة من مختلف أنحاء العالم. انتقل إلى بونه في عام 1974 حيث أنشأ أشرم (صومعة) استقطبت أعداداً متزايدة من الغربيين.

ولد تشاندرا موهان جاين في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1931

عدد كبير من سيارات الرولز رويس
في منتصف عام 1981 انتقل راجنيش إلى الولايات المتحدة؛ حيث أنشأ أتباعه مجتمعاً متعمداً (عرف لاحقاً باسم راجنيشبورام) في أوريغون. في غضون عام دخلت البلدية في نزاعات مع سكان المجتمع (في المقام الأول على استخدام الأراضي) مما أدى إلى تصاعد العداء بين كلا الجانبين. العدد الكبير من سيارات الرولز رويس التي تم شراؤها لاستخدامها من قبل أتباع أوشو كانت محل انتقادات أيضاً. انهارت بلدية أوريغون عندما كشف أوشو أنّ قيادة البلدية ارتكبت عدداً من الجرائم الخطيرة، بما في ذلك هجوم بيو-إرهابي (تلوث الغذاء) على مواطني ذا دليس. ألقي عليه القبض بعد ذلك بوقت قصير، ووجهت إليه تهمة انتهاك قوانين الهجرة. تم ترحيل أوشو من الولايات المتحدة بموجب صفقة ادعاء. منعته واحدة وعشرون دولة من الدخول إلى أراضيها، وعاد أخيراً إلى بونه، حيث توفي هناك.

تستطيع أن تحب بلدك وتكره بلداً آخر، تحب ديانتك وتبغض أخرى، لأنك ببساطة يجب أن توازن الحب مع الكراهية

ومن بين كتاباته الغزيرة والمتنوعة، يبرز حديثه عن الحب والكراهية في كتابه “التحدي الكبير” الذي يقول فيه:

بعض العشاق يشعرون بأنه لا وجود لهم كأشخاص منفردين، الحب فقط هو الحاضر. من السهل تمييز هذه الوجودية الكلية للحب؛ لأنّ الحب شيء مُرضٍ وجميل، لكن الإحاطة بوجود الكره أمر صعب لأنه حال غير مُرضٍ.
العشاق، المحبون بعمق، لا يجدون أنهم “يحبون”، الحب لم يعد نشاطاً أو فعلاً، لكنهم عوضاً عن ذلك قد أصبحوا الحب.

حين تحب أحداً تصير حباً
حين تحب أحداً تصير حباً، حين تكره تصير كرهاً، ولكن إن استطعت أن تُبقي على نفسك كما أنت فلن تحب أو تكره بالطرق العادية. لذلك ندرج على قول عبارة “وقع في الحب”، ظاهرة الحب هي عبارة عن سقوط، والوقوع في الحب يعني أنك قد فقدت إدراكك لذاتك بسببه.
العشاق يغضبون ممن لا يعيش حالة الحب، أنت لا تستطيع التواصل معهم لأنهم فقدوا منطقهم، لم يعودوا “هم”، تحولت كل طاقتهم إلى حب، يأتلفون معه كلياً، ليس فيهم من يدرك ليشهد على ظاهرة الحب.
الأمر مشابه في الكراهية، الحب والكره متماثلان؛ لأنهما أخذ وتحويل لذات الطاقة؛ جاذبية الحب ونفور الكراهية. حين تكون في الحب مشدوداً إلى أحدهم فأنت تفقد جوهرك، تفقد نفسك ويصبح الشخص الآخر هو المحور أو الجوهر، حين تكره أحدهم فأنت تنفر منه، تفقد مركزيتك وإدراكك لذاتك، يصبح هو المركز.

اقرأ أيضاً: القرآن رائع ونموذج للسلوك الإنساني.. هكذا قال عضو الكونغرس الأمريكي
تذكر، ليس باسترجاع وليس بعد انتهاء الأمر ولكن في ذات لحظة الحدوث، عندما يأتي الغضب، أغلق عينيك، تجاهل الحالة الخارجية، وكن واعياً لما يدور في داخلك الآن.
طاقتك بأكملها تحولت إلى كراهية، إذا ركزت على مراقبة ذلك فسوف ترى جزءاً من الطاقة يتحول إلى وعي، عمود من الوعي ينتصب وسط فوضى الكراهية أو الحب، كلما ارتفع أكثر فوق حالتك الداخلية، تضاءلت الفوضى وانكمشت، عندها ستلاحظ وجودك، أنّك “أنت” من بقيت في الداخل وليس الكره.
تتحول إلى ذات، إلى مركز، ولن يعود الآخر مركزيتك مجدداً، لا جاذباً ولا منفراً.
على هذا التأمل أن يحصل لحظة الحدث، بعدها ستكون شخصاً مختلفاً تماماً، ليس أنّك هزمت الكراهية، ليس أنّك تحكمت بحالتك العقلية، بل أنّك صرت الآن وعياً، نوراً لذاتك، وبسبب النور تستحيل العتمة.

الكره يحتاج لا وعيك
أنت الآن شخص واع، والكره يحتاج لا وعيك كحجر أساس له، هو مستحيل مع الوعي.
هذه قاعدة مهمة يجب فهمها بوضوح: الكره يحتاج لاوعيك، من اللاوعي يتغذى ومنه يحصل على طاقته وقوته، لذلك لا تنشغل بالكره، انشغل بوعيك.
كن أكثر وعياً تجاه أفعالك وأفكارك، تجاه أمزجتك نحو ما يحصل حولك. الكائن الواعي لا يغمره شيء… لا الحب.. لا الكراهية.

اقرأ أيضاً: كيف ترك لنا طه حسين عينَيه لنرى بهما اليوم؟
عندما يصبح الإنسان مركز ذاته، حين يصل إلى مرحلة متقدمة من تبلور الوعي، سيختفي الانجذاب نحو الآخر، سيختفي النفور، لكن هذا سيخلق مشكلة أعمق، يعني أنك لن تقدر على تجاوز الكراهية ما لم تتجاوز الحب، الجميع يود تخطي الكراهية وليس الحب، لكن هذه الرغبة تضعنا في موقف مستحيل، لأن الكره جزء من ظاهرة الانجذاب والنفور.
كيف تستطيع أن تحب؟ كيف تكون منجذباً لكل شيء؟ نحن نحاول أن نحب بطرائق متعددة، لكن الطريقة الأسهل هي أن تكره شخصاً وتحب آخر، السهل هو أن تجعل أحدهم عدوك والآخر صديقاً.
ستكون مرتاحاً، تستطيع عندها أن تحب، أن تكون مشدوداً إلى (أ) ونافراً من (ب)، هذه طريقة، الطريقة الأخرى معقدة أكثر، أن تكره ذات الشخص الذي تحب، نحن نفعل هذا الأمر يومياً، نحب في الصباح، نكره في الظهيرة، ثم نعود لنحب مساءً.
التواتر بين الحب والكراهية
كل عاشق يعايش هذا التواتر بين الحب والكراهية بشكل مستمر، الانجذاب والنفور. صدق فرويد حين قال: عليك أن تكره عين الشخص الذي تحب، لا مفر من ذلك.
يزداد وضوح معنى هذا القول كلما أقصينا أنفسنا أكثر فأكثر عن أولئك الذين نحمّلهم كراهيتنا، أهداف نفورنا وبغضنا.
تستطيع أن تحب بلدك وتكره بلداً آخر، تحب ديانتك وتبغض أخرى، لأنك ببساطة يجب أن توازن الحب مع كراهية في الكفة الثانية.
في الماضي كان سهلاً أن تحافظ على هذا التوازن، اليوم هنالك الناشطون الإنسانيون ودعاة المثالية، هؤلاء يدمّرون أهداف الكراهية القديمة، قريباً قد يتحد العالم بحيث تصبح هناك أمة واحدة وعرق واحد، ومع تطور كهذا سيُجبر الكل على حب وكره هدف واحد.

إن أحببت فسوف تكره
هذه الازدواجية هي الحال الطبيعي، إن أحببت فسوف تكره.
بعض الأشخاص يستمرون بإلقاء العظات “أحبوا العالم بأسره!!” لكننا لا نستطيع أن نحب العالم ما لم نجد عالماً آخر لنكرهه، أنا لا أعتقد أنّ سكان الأرض يمكن أن يتحدوا حتى نكتشف أعداءً لنا على كوكب آخر، حالما نجد عدواً في مكان ما – ونحن نسعى جاهدين لذلك -عندها سيتوحد سكان الأرض.
لا يمكن أن يتوحد هذا الكوكب إلا عند وجود كوكب آخر نحاربه، مجرد إشاعة عن وجود عدو قد تؤدي ذات الغرض.
لاينوس باولينغ – عالم حائز على جائزة نوبل – اقترح ذات مرة أنها ستكون فكرة جيدة إن نشرنا إشاعة عن طريق الأمم المتحدة عبر أصقاع العالم، إشاعة تقول بأنّ المريخيين على وشك مهاجمة الأرض، وأن تُدعم هذه الإشاعة من قبل علماء مختلفين حول العالم، آنذاك سيتوقف الاقتتال الناشب على الأرض.
أرى بأنه محق، فكما هي طبيعة البشر الآن قد يتأتّى من إشاعة كهذه نتيجة جيدة، الكذب قد يساعد، الحقيقة لم تساعد حتى الآن.
بتواجد الحب ستتواجد الكراهية، وعليك أن تجد هدفاً لتسقطها عليه، إذاً فكلما أحببت أكثر تصاعدت كراهيتك أكثر، هذا هو الثمن.
تذكر، إما الحب والكراهية معاً، وإما أن تعيش دون أي منهما.

لا يمكن أن يتوحد هذا الكوكب إلا عند وجود كوكب آخر نحاربه، مجرد إشاعة عن وجود عدو قد تؤدي الغرض

الكره سيختفي ليس بقيامك بعمل ما، بل بكونك أكثر إدراكاً، أكثر وعياً، أكثر تيقظاً، كن كائناً واعياً، وستصير مركز ذاتك من دون أن يقدر أي كان على تحريكك من مركزيتك.
حالياً يستطيع أي كان القيام بهذا، البعض بالحب، البعض بالكراهية، لكنهم متقلقلون، يستطيع أي كان تحريكهم بعيداً عن مركزيتهم، لأنها ليست مركزية حقيقية، هو مركز زائف تقبع فيه بانتظار أن يزيحك أحد ما عنه ويبعدك.
الوعي يعني المركزية، مركزية داخلية مستمرة، مع تحقيقها يختفي الحب، تختفي الكراهية وعندها فقط ستشعر بالسلام.
أعراضهما متشابهة فعلياً، الكره العميق سيبقيكَ أرقاً، الحب العميق سيحرمك النوم، كلاهما سيجعل ضغط دمك مرتفعاً، كل الأعراض متماثلة، القلق، التعب، الإرهاق، الملل من الأشياء العادية، كلاهما يبقيانك متوتراً، كلاهما مَرَض.
عندما أقول مَرض (Disease) فأنا أعني الكلمة بحرفيتها: (dis-ease) عدم ارتياح، أنت لن تكون مرتاحاً مع الحب أو الكراهية، راحتك تكمن فقط في زوالهما من داخلك، لا الحب لا الكراهية، عندها ستبقى في ذاتك، وحيداً في وعيك، تتواجد من دون أحد آخر، الآخر أصبح غير مهم لأنك أنت المركزي.
بعدها سيأتي التعاطف، التعاطف هو الحدث اللاحق للمركزية، التعاطف ليس حباً ولا كراهية، هو ليس انجذاباً ولا نفوراً، هو بُعد آخر مختلف كلياً، إنه كونك نفسك وتحركك وفق نفسك، العيش تبعاً لنفسك.
قد تجذب الكثيرين، قد تنفّر الكثيرين، لكن هذا ليس إلا إسقاطهم، مشكلتهم هم.
تستطيع أن تضحك من الأمر وستبقى حراً.

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.