الوصف
برج بابل، بناء يعتقد أنه بني في مدينة بابل في بلاد ما بين النهرين، ورد ذكر البرج الذي يتحدث عنه أغلب المؤرخين القدماء, وكذلك ذكر في التوراة، لقد جاء في سفر التكوين أن بناء برج بابل يعزى إلى سلالة النبي نوح. ويكيبيديا
برج بابل
تعد حضارة وادي الرافدين من اقدم الحضارات التي بناها الانسان القديم كالحضارة السومرية والحضارة البابلية والحضارة الآشورية ، وان اقدم الاقوام كانت قد استوطنت في هذه الارض فشيدت فيها الكثير من المدن العامرة والمعابد الفخمة ، لقد اقامت هذه الاقوام حضارات راقية ففيها وضع اول حرف وأسست اول مدرسة وفيها وضعت اولى الشرائع ، ولخصوبة ارضها ووفرة مياهها ازدهرت فيها الزراعة وتربية الحيوانات ، ومن هذه المدن مدينة بابل والتي حكم فيها ملوك عظماء مثل حمورابي ونبوخذنصر الثاني وغيرهم اللذين عملوا بجد واخلاص من اجل توحيد ارض بلاد الرافدين واقامة حضارة عظيمة عليها .
تميزت بلاد ما بين النهرين بكثرة معابدها (هياكلها) ، التي كانت لها عدة وظائف منها وظيفة دينية فتمارس فيها الطقوس العبادية للآلهة ، ووظيفة سياسية فكانت مركزاً لإدارة الحكم ولها وظيفة اقتصادية فكانت مخزناً للغلال يضم الفائض من الانتاج الزراعي وما يضاف إليه من هدايا الملوك ونذور الرعية كما يمتلك المعبد اراضي زراعية واسعة يعمل فيها الفلاحون . كانت المعابد تشيد فوق زقورات(1) مدرجة ، وما برج بابل إلا احدى هذه الزقورات ، وهو من المعالم المهمة التي اشتهرت بها مدينة بابل والذي ذكر في التوراة وفي بعض الالواح الطينية التي عثر عليها خلال التنقيبات الآثارية وفي مدونات الرحالة الذين زاروا مدينة بابل ، والذي يقع إلى الجنوب من القصر الجنوبي للملك نبوخذ نصر الثاني .
سمي برج بابل بالعبارة السومرية (اي- تمن- آن- كي) والتي تعني ” بيت أسس السماء والارض” وقد بني قرب أشهر المعابد البابلية (اي- ساكلا) الذي يعني البيت الشامخ أو الرفيع ، وهو المعبد الخاص بعبادة كبير آلهة بابل (مردوخ) ، وقد اقترن هذا البرج بأسطورة “بلبلة الالسن” التي ذكرت في التوراة في سفر التكوين(2) .
برج بابل في التوراة :
لقد جاء في العهد القديم (التوراة) ان هنالك قوم يتكلمون لغة واحدةً قد شدو رحالهم نحو الشرق حتى وصلوا الى ارض شنعار(3) وسكنوا فيها ، فصنعوا لبناً مشوياً (استخدم في البناء بدل الحجر) ، واستخدموا القار بدل الطين لتثبيت اللبن المشوي ، فبنوا مدينة فيها برجاً رأسه في السماء . فنزل عليهم الرب ليرى المدينة والبرج فقال لهم بانهم شعب موحد يتكلمون لغة واحدة، فبلبل لسانهم وبددهم على وجه كل الارض فسميت مدينتهم ((بابل)) ، وكما ورد في سفر التكوين في الاصحاح (11): (وكانت الارض كُلُّها لساناً واحداً ولغةً واحدةً * وحدث في ارتحالهم شرقاً أنهم وجدوا بقعة في ارض شنعار وسكنوا هناك * وقال بعضهم لبعض ((هلم نصنع لبناً ونشويه شياً )) فكان لهم اللبن مكان الحجر، وكان لهم الحُمَرُ مكان الطّين * وقالوا : ((هَلُّمَ نبن لأنفسنا مدينة وبرجاً رأسه بالسماء ونصنع لأنفسنا اسماً لئلا نتبدّد على وجه كُلّ الارض )) * فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما * وقال الربُّ: ((هو ذا شعبٌ واحدٌ ولسانٌ واحدٌ لجميعهم ، وهذا ابتداؤهم بالعمل .والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يفعلوه * هلُمَّ ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض)) * فبدَّدهُم الرّب من هناك على وجه كلّ الارض ، فكفُّوا عن بنيان المدينة ، لذلك دُعِيَ اسمها ((بابل)) لأن الرَّبَّ هناك بَلبَلَ لسان كلَّ الارض . ومن هناك بدَّدهم الرَّبُّ على وجه كل الارض .
يتضح من ذلك أن ما ورد في التوراة من بلبلة ألسن الناس هو فبركة يهودية للإساءة لسمعة بابل ، لان كلمة بابل تتألف من كلمتين اكاديتين : (باب أيلو) أي (باب الاله) ، كما ورد في التوراة الغرض من انشاء البرج بشكل مغاير للغاية التي انشأ من اجلها .
برج بابل في الالواح الطينية :
اختلفت المدونات التاريخية والآثارية حول تاريخ برج بابل وابعاده الهندسية ، ولم يعرف متى شيد هذا البرج ، فلم تشر النصوص المسمارية إلى وجود البرج في زمن الملك حمورابي (1792 ق.م – 1750ق.م) لعدم الاشارة إليه في المقدمة التي كتبت في شريعته والتي تحدثت عن جميع المعابد في بابل وصفاتها بضمنها معبد (أي- ساكلا) دون ذكر البرج . ولكن النصوص المسمارية التي تشير إلى ملوك العصر البابلي الحديث كانت تتحدث عن برج بابل وكأن له تاريخاً أقدم من تاريخهم بكثير . كان هنالك نصان مسماريان ذكر فيهما اعادة بناء البرج الاول للملك البابلي نبوبلاصر(625 ق.م – 605 ق.م) والذي جاء فيه ” أمرني الرب مردوخ بشأن برج بابل المدرج ، الذي كان قبل زماني قد أصابه البلى والخراب ، أن أوطد اسمه في حضن العالم السفلي وأجعل قمته كالسماء “(4) ، وقد أمر الملك بصنع الآجر من الطين المشوي ، وقام بنفسه بتثبيت أبعاد البرج ومشاركته الفعلية بالبناء وقد حمل على رأسه الآجر والتراب وهو في رداءه الملكي ، ووضع في اسس البرج تحت الآجر ذهباً وفضة وأحجاراً كريمة من الجبال ومن البحر .
والنص المسماري الآخر للملك البابلي نبوخذنصر الثاني (604 ق.م – 562 ق.م) أبن الملك نبوبلاصر الذي أشاد ببناء البرج من قبل أبيه ومساهمته الفعلية ببنائه عندما حمل الآجر والتراب على رأسه ، وقد قام بإكمال بناء البرج بتوفير اعداد ضخمة من العمال من رعاياه ومن العمال الاجانب ، وتوفير كمية ضخمة من مواد البناء، وقد جاء في النص المسماري : ” كل الشعوب من أمم عديدة أجبرتها على العمل في تشييد البرج (أي – تمن – آن – كي) ، وأقمت المسكن العالي لربي مردوخ على قمته “(5) . ولم يدونا نبوبلاصر وأبنه نبوخذنصر في النصين المسماريين أبعاد البرج .
في أثناء التنقيبات الآثارية وجد لوح من العهد السلوقي (القرن الثالث قبل الميلاد) في زمن الملك سلوقس الثاني(6) ، (اكتشف سنة 1913م) يشرح أبعاد البرج كتبه كاتب بابلي اسمه (اتو- بيل- شونو) سنة (229 ق.م) والذي يَصف برج بابل :
يتكوّن برج بابل من ستِّ طبقات كما ذُكرت في اللوح الحجري مبنيّة فوق مِصطبة أو قاعدة مربعة الشكل طول ضلعها 91,55 م (295 قدم) ، وهذه المصطبة لها أربعة أبواب من الجوانب، ويقال ستّة أبواب، تؤدي هذه الأبواب لمعابد مختلفة، مثل بوابة الشّمس، والبوابة الكبيرة، والبوابة العظيمة، وبوابة التماثيل، وبوابة القتال، وبوابة منظر البرج، ويعلو هذه المصطبة بناء ضَخم.
فالطبقة الأولى للبرج أكبر الطبقات ، ومن ثمّ تعلوها الطبقة الثّانية ، وهي منحدرة ومائلة في بنائها، ثمّ تأتي الطبقة الثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة فجميعها متساوية في ارتفاعها ، ولكنّها مختلفة بالمساحة، حتى تُشكّل برجاً لولبياً ومدرّج ، وعلى قمّة البرج يوجد المعبد الأعلى للإله مردوخ ، ولا وجود لأيّ تماثيل له.
قياسات برج بابل التي اعتمدها العلامة طه باقر والتي وردت في اللوح السلوقي(7) :
الطول(بالقدم) العرض (بالقدم) الارتفاع(بالقدم)
الطبقة الاولى 295 295 108
الطبقة الثانية 256 256 59
الطبقة الثالثة 197 197 19.75
الطبقة الرابعة 167.5 167.5 19.75
الطبقة الخامسة 138 138 19.75
الطبقة السادسة 108.5 108.5 19.75
الطبقة السابعة 79 79 49
وصف الرحالة هيرودوتس لبرج بابل :
جاء في تاريخ هيرودوتس(8) (الكتاب الاول) الفقرة 181 عند زيارته لمدينة بابل سنة (460 ق.م) ما يأتي :
في حارة الإله بعل(9) المقدسة وهي فناء مربع طول كل ضلع من أضلاعه 800م (2880 قدم تقريباً) ، وذو أبواب من البرونز الصلد ، ويقع وسط ذلك الفناء برج ذو بناء متين ، اقيم فوقه برج ثانٍ ، وعلى هذا برج ثالث وهكذا إلى البرج الثامن الاعلى . وكان الصعود إلى القمة من الخارج بواسطة سلم يدور حول جميع الابراج . وعندما يبلغ المرء منتصف المسافة في صعوده فإنه يجد موضعاً للجلوس لغرض الاستراحة . ويوجد فوق الطبقة العليا معبد فسيح وضع في داخله سرير عظيم بديع الصنع ومزين بزينة فاخرة ، وبجانبه منضدة من الذهب . ولا يوجد أي تمثال في هذا المعبد ، كما لا يشغل الحجرة في أثناء الليل أحد سوى امرأة يقول عنها كهنة هذا المعبد : إن الإله اصطفاها لنفسه من بين نسوة البلاد ، وإن الإله يأتي أحياناً إلى المعبد وينام على السرير.
بقايا برج بابل :
على مر العصور وحتى عصرنا الحديث استمر الخراب والعبث ونقض آجر البرج بحيث لم يجد المنقبون من بقايا البرج سوى أسس قاعدته السفلى العميقة وهي قلب القاعدة يحيط بها خندق مربع الشكل كان بالأصل أسس جدران القاعدة .
الهوامش :
(1) الزقورات : هي صروح مدرجة شيدت على عدة طبقات ، وشيد فوق الطبقة العليا معبد صغير .
(2) طه باقر – مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة – ص628
(3 ) أرض شنعار : بلاد ما بين النهرين (العراق القديم) كما سميت في التوراة .
(4) اندريه بارو – برج بابل – الموسوعة الصغيرة ، ص18 .
(5) اندريه بارو – برج بابل – الموسوعة الصغيرة ، ص20
(6) سلوقس الثاني : ثاني ملوك الدولة السلوقية ، حكم بين سنة (246 ق.م. – 225 ق.م.).
(7) طه باقر – مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ص631 .
(8) هيرودوتس : مؤرخ إغريقيا يوناني عاش في القرن الخامس قبل الميلاد (حوالي 484 ق.م – 425 ق.م). اشتهر بالأوصاف التي كتبها لأماكن عدّة زارها حول العالم المعروف آنذاك ، ومن المحتمل أنه زار مدينة بابل بحدود سنة (460 ق.م) .
(9) بعل : هو أحد الآلهة في بلاد الشام وآسيا الصغرى، وهو إله العواصف والرعود والبروق والأمطار ، وفي اللغات السامية تأتي على شكل لقب أو تأتي كاسم نكرة ويستدل من أنها تعني: السيد أو الملك .
المصادر :
1- العهد القديم (التوراة) – دار الكتاب المقدس في الشرق الاوسط ، القاهرة
2- طه باقر- مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة – دار الوراق للنشر، 2009م .
3- عبد القادر عبد الرزاق الشيخلي – الوجيز في تاريخ العراق القديم – دار ومكتبة عدنان ، بغداد ، 2014م .
4- فراس السواح – مغامرة العقل الاولى – دار التكوين للطباعة والنشر ، 2016م .
5- حميد المطبعي – رحلة إلى بابل التاريخية – الدار العربية للعلوم ، بغداد ،2011م .
6- اندرية بارو – برج بابل – ترجمة جبرا ابراهيم جبرا – الموسوعة الصغيرة ، وزارة الثقافة والاعلام العراقية ، 1980 م .