Galal El Missary — مع Rania Hussein
الحمد لله – اليوم الخميس 10 اكتوبر بالاهرام المسائى – صور اعتز بها مع كلمات معبره للصخفيه المتميزه الاستاذه ناديه عبد الحليم
وما الحياة إلا كلمة حلوة أونظرة مُعبرة أو إحساس صادق أو لحظة رضا أو أمان دائم وربما .. زهرة جميلة تعيد إلينا “رائحة الحياة ” برغم أي أحزان …ذلك ما نقتنع به حين نتعرف على حكاية “الست مبروكة ..بائعة الزهور ” والتي سردها بالصورة الفنان القدير جلال المسري وأهدى الصور ل”واحة الأهرام المسائي”
رائحة الحياة
بقلم :نادية عبد الحليم
ليست لحظات السعادة وحدها هي ما ترتبط بالزهور بأنواعها وألوانها المختلفة لكن ثمة لحظات أخرى تحثنا على اللجوء للزهور والاحتماء بعالمها، ففي لحظات الوداع و الفراق ربما لا نجيد التعبير عن الحزن والوجع سوى بتقديم باقة أنيقة منها لعل في لغتها و جمال عطرها ورقة ملمسها ما هو أكثر بلاغة ورقة وشاعرية من قسوة الألم في نقل مشاعرنا في هذه اللحظات الصعبة، وربما لأنها أيضاً من وجهة نظرنا في هذا الوقت تكون أكثر قدرة على النفاد إلى أحبائنا حتي لوكانوا في القبور! الأكثر من ذلك أننا قد نراها وسيلة مثالية للاعتذار لهم عن التأخر في البوح بما كنا نشعر به نحوهم من حب و تقدير وهم لايزالوا على قيد الحياة !
و هي بالنسبة لنا تمثل تقليد أصيل يعود إلى مصر القديمة حين كان المصري يعتقد أن غرس غصن شجرة أعلى المقبرة، أو نثر الزهور عليها إنما هو نوع من ربط المتوفي ب”رائحة الحياة” القادمة مع زيارة الأقارب والأحباء له، ولذلك لا تندهش حين تجد العشاق يتبادلون الزهور على شاطيء النيل أو في قاعات الأفراح، وفي الوقت نفسه يحرصون على إهداء الورد البلدي و الداليا والقرنفل و الريحان، والبنفسج، والقطيفة وغير ذلك للراحلين حيثما دُفنوا، فهي “رائحة الحياة” التي يأبون أن تفارقهم أو أن تفارق أحبائهم !.
وإذا كانت عدسة المصورين لطالما جسدت لحظات رائحة الحياة بين العشاق و الأحبة لمن هم على قيد الحياة، فإن الفنان المصور القدير جلال المسري قد اختار أن يجسدها في لحظات وجع الفراق، ذلك بعد أن جذبته إنسانية “الست مبروكة” وفلسفتها أثناء بيع الزهور لزوار مقابر “باب الوزير” فألهمته أن يصورها وزهورها وزوارها ، حيث نفدت عيناه إلى قلوب يعتصرها الألم، وأحيانا الندم بعد فوات الأوان على البخل بالبوح و التصريح بالحب و الامتنان للأحباء.
شاهد المسيري “مبروكة ” تقف الخميس والجمعة من كل أسبوع ــ بالإضافة إلى الأعياد ــ تبيع الورد لهم، وتابعها و راقب المترددين عليها ” قالت لي حين تحدثت معها أن بعضهم يواظب على شراء الزهور منها أسبوعياً لمدة تزيد عن عشر سنوات بلا انقطاع !” يقول المسري ل”واحة الأهرام المسائي” ويتابع :” حكايات و حكايات تحمل بين ثناياها مشاعرمتدفقة موجعة لشخوص يشترون الزهور من “الست مبروكة” ربما تسكنها العبر والدروس لنا “.
ويواصل الفنان سرده قائلاً:” فهذا ابن يندم على سفره للخارج ووفاة والدته أثناء غربته دون أن يراها، وذلك عاشق يتمنى عودة محبوبته لحظات ليعبر لها عن مشاعره، وتلك إمرأة تشعر بالحنين لزوجها، وأم ملتاعة لرحيل فلذة كبدها، وغير ذلك من مشاعر صادقة لا تعرف الزيف، وتتلمس “عودة الحياة” أو رائحتها للراحلين ولو عبر تقديم الزهور !”.
يأتي احتفاء الفنان بتصوير “الست مبروكة ” في إطار شغفه بالتسلل إلى أعماق النفس الإنسانية، والحصول على لقطات استثنائية من حياة البشر، ولذلك:” أتجه إلى الأحياء المصرية الشعبية و القديمة في مصر حيث الأصالة والوفاء و الصدق والتمسك بالمشاعر الدافئة التي يُعرف بها المصريون “.
وعلى” باب الوزير” وهو اسم الشارع الذي يقود الزائر إلى مدخل المدافن التي تحمل الاسم نفسه يمكنك أن تلتقي بهذه السيدة المبتسمة والراضية دوماً، القانعة الشاكرة الله عز وجل على دخلها البسيط الذي تحصل عليه من خلال زهور تشتم عبرها “رائحة الحياة” بدلا ً من “رائحة الموت” حتى وأنت داخل المدافن نفسها، لعلك بعد أن تخرج من المكان تشتري باقة أخرى من الزهور لتهديها لمن تحبه معبراً عن مشاعرك و ممتناً لوجوده بجوارك، أو لربما تبوح بكلمات جميلة تعبر عن مشاعر صادقة وهي تكفي ، ولعلك أيضاً تكون شاكراً قانعاً ومبتسما ً مثل ( الست مبروكة )”.