محمد عزوز مع George Ashy.
من الصحافة
(3881)
جورج عشي في مشواره الفني الطويل .. بين التشكيل والشعر الغنائي والتصوير الضوئي..
الاستعادة البانورامية لمشوار جورج عشي الفني والحياتي، ترسم أمامنا صورة فنان متعدد المواهب والاتجاهات والحساسيات ، فهو فنان تشكيلي وشاعر غنائي، حققت بعض أغانيه، التي كتب كلماتها شهرة واسعة ، كما أنه مصور ضوئي،
التقط آلاف الصور النادرة للأمكنة الأثرية والسياحية، ولرموز الفن والأدب والشعر والإعلام، ويتابع نشرها بدقة عالية على صفحته في «الفيس بوك» وبذلك فهو يقدمها للمهتمين والمتابعين، بدون مقابل، وهذا جزء من رسالته الفنية والجمالية، التي كرس لها سنوات عمره، وله دوره في الإذاعة والتلفزيون والمجالات الأخرى. والواقع من الصعب الإحاطة بكل هواجسه الفنية والأدبية والإعلامية المتنوعة والمتفرعة والمتشعبة.�
أرشيف متحفي�
هكذا كان ولايزال يلتقط خلال جولاته السياحية ،إشارات الأزمنة المنسية على جدران الأوابد الحضارية ، وأحياناً يختلط المشهد الأثري، بأشكال الوجوه والطبيعة والعناصر الأخرى، مؤكداً على الجوانب الفنية الخفية والعلنية للضوء الذي يتوازى مع أماكن الظل والعتمة.�
وثمة فروقات تكشفها حساسيته البصرية، بين التقاط الصورة في الطبيعة وتحت ضوء الشمس أو ضوء النهار، وبين التقاطها بعيداً عن الإضاءة الطبيعية، وفي هذا التنقل، نقع على مقترحات إجادة التعامل مع الواقع من منطلق التدخل فيه ، كونه يسعى وراء حركة أطياف الواقع ، سعياً وراء اكتشاف أسرار الحياة والحركة والإيقاع والتعبيرية المنفلتة من سكونية الواقع الخارجي وأفقيته التسجيلية الباردة.�
ما نشاهده في أرشيف جورج عشي المتحفي ، يعيدنا عبر صوره القديمة ، إلى أماكن تمثل الماضي والحاضر ، وإلى أيام الأبيض والأسود ، وصولاً إلى صوره الملونة المتنوعة في موضوعاتها أيضاً ، حيث تتواتر المشاهد الملتقطة من أماكن غابت أو تكاد تغيب ، وسط الامتداد العمراني الحديث، الذي أطاح ايضاً بفسحات وظلال الياسمين الدائم العبق والاخضرار.�
صور نادرة�
نجول مع كاميرا جورج عشي عبر آلاف الصور المستعادة، فنجده يبحث عن شاعرية في الأمكنة والوجوه. وفي إطار هذه الشاعرية البصرية ، يسعى لإبراز رموز الواقع كعناصر تشكيلية في التأليف العام للوحته الضوئية.وهكذا يصل إلى التأليف الفني الذي يحافظ على البنائية الفوتوغرافية الحديثة والمعاصرة.�
وتظهر في لقطاته الفنية حالات المزج بين ذاكرتين ، ذاكرة الماضي وذاكرة الحاضر، وبذلك تساهم اعماله بتحقيق حوار ثقافي بين الشرق والغرب ، وبين القديم والجديد، وتأتي كردة فعل جمالية وحضارية ضد كل مظاهر التخلف والجهل والتطرف والارهاب.�
من ناحية أخرى تبرز قيمة صوره النادرة في أهميتها التوثيقية أو التأريخية، وبالتالي تساهم بتعريف الأجيال الحالية والمستقبلية، بأعلام الفكر والفن والأدب. إضافة للصور السياحية الملتقطة لأوابد وكنوز ومعالم قادمة من عمق التاريخ والأزمنة كما أشرنا.�
وصوره التوثيقية النادرة تساهم في تغذية الخيال الابداعي والثقافي، وتزيد من حالات الوعي المعرفي والتاريخي، الذي ترك بصماته الحضارية على النمو الثقافي في المجتمعات القديمة والحديثة.�
أكثر من عشرة معارض تشكيلية�
ولقد أقام جورج عشي، أكثر من عشرة معارض فردية ، تنوعت في معالجاتها وتقنياتها وتفاوتت بين الواقعية والتعبيرية والرمزية وصولاً إلى حدود التجريد اللوني. فمن خلال تقنية الزيت التي ارتكزت عليها بعض لوحاته ، عمل على تركيب المساحات اللونية ، محددأً العناصر الإنسانية والمعمارية بخطوط واضحة، كما أخذنا إلى ضبابية وشاعرية في لوحات «الأكواريل» التي عالج من خلالها عناصر المنظر الخلوي.�
كما استعاد في بعض مائياته عناصر المشهد الطبيعي من مخزون الذاكرة البصرية ، انها لوحات مشرعة على الأحاسيس وعلى مرايا الذاكرة أو على مناخ لوني أكثر شفافية وشاعرية، انها شاعرية مستمدة من جغرافية المكان، الذي يعكس أحلام وتخيلات مرحلة الطفولة والفتوة، حين كان يرتمي في أحضان طبيعة قريته الساحلية ضهر صفرا.�
ومن الناحية التقنية تبدو ريشة جورج عشي عقلانية حيناً، وانفعالية حيناً آخر، وهذا خاضع للحالة النفسية، التي يعيشها أثناء انجاز اللوحة، فهو في قسم من لوحاته ينشد الصفاء اللوني، من خلال الاعتماد على تسطيح المساحة، وتوحيد اللون في المساحة الواحدة، وفي قسم آخر من أعماله يعيد الصياغة في لوحاته إلى مرحلة ما بعد الانطباعية، حيث تستمد اللمسة اللونية حيويتها من تفاعلات مثمرة قادمة من عواصم الفن الكبرى، من حيث التركيز على الملمس الخشن لسطوح الألوان واختزال الاشكال الانسانية وعناصر الطبيعة، باعتماد اللمسة اللونية العفوية المنفلتة من حدود المنطق التقليدي الواقعي.�
فقد كان جورج عشي ولايزال، يصر على مبدأ الحرية التعبيرية وعدم التقيد بأسلوب محدد ولا بتقنية معينة، لهذا فهو يعمل على إظهار اللمسات اللونية كإيقاعات عفوية انفعالية مرة، ويتحول لابرازها كإيقاعات عقلانية مركزة مرة أخرى، على أساس أن الحالة الأولى تدرج ضمن ايقاعات البحث عن جمالية تشكيلية عصرية تتجاوز قشور الواقع، وتفاصيله وتبقي فقط على اشاراته. كما جنح في مراحل سابقة، في بعض معارضه الفردية، التي أقامها داخل سورية وخارجها نحو الاختزال والتبسيط في معالجة العناصر الانسانية، وصولاً الى اضفاء الأجواء والملامح والتعابير الطفولية في التشكيل والتلوين معاً.�
أديب مخزوم
( الثورة 18 – 8 – 2016 )