حسان عباس يؤرخ للموسيقى التقليدية السورية.. وهي السياسة أيضاً
إن هذا التذكير التاريخي السريع بالحضارات التي مرت على الأرض السورية، يُمكِّننا من تخيل الغنى الفني والجمالي الموسيقي، وتنوع القوالب، الأنواع، والأساليب الغنائية والموسيقية التي يتطرق إليها الكتاب، فينقل إلى القارئ قصة فن عمره خمسة آلاف سنة، ومن ماري 3000ق.م. حتى الآن.
لكن، كما أوضحنا آنفاً، إن هذه الموضوعة التي تحمل بُعداً تاريخياً، تفتح الأفق أيضاً لمناقشة الكثير من القضايا الراهنة من باب الفن الغنائي والموسيقي لسوريا. فلننظر كيف أن مجرد التصنيف الذي يقترحه المؤلف حسان عباس، للموسيقى التقليدية في سوريا، مرتبط بشكل حتمي مع الموضوعات السياسية والاجتماعية الراهنة. فالتصنيف المقترح من قبل المؤلف يقوم على التقسيم التالي: الموسيقى الدينية، الموسيقى الإثنية، والموسيقى المرتبطة بالحياة الإجتماعية.
في الفصل المعنون “قوالب الغناء الشعبي” نطّلع على: الموال، العتابا، الميجانا، وما يقارب العشرين قالباً غنائياً غيرها، ورغم أن هذا الفصل قد يبدو للمتلقي، الأكثر التصاقاً بالمجال الغنائي الموسيقي البحت، إلا أننا نصادف مجدداً أبعاداً سياسية وثقافية. على سبيل المثال، في تلك الفقرات المخصصة لقالب الزجل، يبيّن المؤلف أسباب تراجع فن الزجل السوري، ويعزوها إلى سببين رئيسيين: الأول، أن فن الزجل لا يستخدم العربية الفصحى بل يعتمد بشكل حصري على اللهجات المحلية، وهذا ما لا ينسجم مع الإيديولوجية القومية العربية السائدة، فتركز الدعم على الشعر المكتوب بالفصحى، على حساب النتاجات الأدبية المعتمدة على اللهجات العامية. أما السبب الثاني، بحسب المؤلف، فيتعلق بأن المناظرات الزجلية تحتاج إلى هامش واسع من حرية التجمع وحرية التعبير، فجلسات الزجل لا تحتاج إلى تصريح لتُعقد، والأشعار التي تقال فيها تتميز بالصراحة والحرية. لكن، في العام 1963، أعلنت حالة الطوارئ في البلاد، وبحسب أحكام الطوارئ، فإن أي تجمع أو أي كلام يُلقى أمام جَمع من المواطنين كان يتطلب ترخيصاً. بينما تطور الزجل اللبناني، مثلاً، ليصبح تعبيراً ثقافياً حياً، يزود اللبنانيين بروح من الهوية الثقافية والإنتماء، بحسب تعبير حسان عباس.
هكذا يتداخل السياسي، بالإجتماعي، والثقافي والفني، في كتاب عن الموسيقى التقليدية في سوريا،. ويخصص الكتاب الفصل الرابع لفن الرقص، فيذكر من أشهر الرقصات في تراث البلاد: رقصة الدبكة، رقص السماح، السيف والترس، رقصة ستي، والرقص العربي. أما الفصل الخامس والأخير، فمخصص لـ”صناعة الآلات الموسيقية التقليدية”، ومنها: العود، القانون، البزق، الناي، آلات الإيقاع، حيث يبين المؤلف كيفية صناعة هذه الآلات، شارحاً بالتفصيل طريقة تصنيع كل جزء منها، مستعيناً بحوارات ونصوص الخبراء والحِرفيين من صنّاع الآلات الموسيقية في سوريا. ومرة أخرى، نكتشف تراجع وتضرر قطاع صناعة الآلات الموسيقية في سوريا بسبب سنوات النزاع التي تعيشها البلاد، والعنف الأهلي، ما أدى إلى هجرة الصنّاع المهرة، وصعوبة الحصول على المواد اللازمة في صناعة الآلات، وصعوبة تصريف المنتج ووصوله إلى المستهلك.
أخيراً، نرفع الصوت إلى جانب التوصيات التي قدمها الباحثون والموسيقيون السوريون إثر لقائهم في ظل مشروع “الصون العاجل للتراث الموسيقي في سوريا”، حين استخلصوا عدداً من التوصيات الأساسية في هذا المجال، وهي:
Hisham Zaweet
كتاب “الموسيقى التقليدية في سورية” للباحث الدكتور حسان عباس بنسخته المترجمة إلى الانكليزية
إنجاز جديد يستحق التقدير
في مانشستر يوم 2 تشرين الثاني
-
Hassan Younes بالتوفيق
التحية لك وللأستاذ حسان
-
Ammar F Aldaas أعتقد أنه كتاب في غاية الأهمية حيث يتحدث عن تاريخ الموسيقى في سورية وتنوعها وتعدد مصادرها التاريخية والثقافية .. وكان يجب ترجمته إلى اللغة الإنكليزية لضمان سعة انتشاره .. وقد كان والحمد لله ..
إن أهمية الكتاب وأهمية موضوعه تؤكد على اعتناء ( اليونيسكو ) بالإشراف على إصداره ضمن برنامج ( الصون العاجل للتراث الثقافي السوري ) .. واعتقد أنه يجب أن يكون من مقتنيات أي مثقف همه التراث اللامادي السوري .. وهمه هاجس المحافظة على هذا التراث بعد الحرب المجنونة التي عصفت بالبلد خلال السنوات الماضية ..
وإني أذكر أنك أيها العزيز ( Hisham Zaweet ) والأستاذ المحترم ( حسان عباس ) قد تشاركتما بإنتاج العمل الهام ( سورية .. رؤية من السماء ) فلك وله كل الشكر والتقدير على ما تقومان به لحفظ التراث اللامادي السوري والشكر لكل من يقوم بواجبه نحو حفظ التراث والتأكيد على أصالة هذه المنطقة الأغلى ..
دمتم بخير وسلامة .. وثقافة ..