تلامذة سوريون لاجئون في الأردن يرون العالم مختلفاً
عمّان- ماهر الشوابكة
«لجأت منذ سنوات إلى منطقة صويلح، إحدى الضواحي الفقيرة والمكتظة بالسكان للعاصمة الأردنية عمان، لا نملك إلا بعضاً من بقايا مساعدات حصلنا عليها أثناء عبورنا للحدود، ولم أكن وقتها أحمل ألعابي التي نسيتها في بيتنا المدمر في منطقة دوما قرب دمشق»، تقول الطالبة السورية اللاجئة فاطمة نزار (14 سنة).
وتضيف فاطمة الطالبة في مدرسة «مانية» الحكومية في صويلح: «لم أجد طفلاً صديقاً حينها ألعب معه، فجميع من كان يجاورنا من الأطفال كانوا ينظرون إلينا كغرباء، بيد أن الحال تغيرت مع الوقت»، ومع التدريب الذي تلقته على التصوير الفوتوغرافي، والذي حولها إلى إنسان منتج وغيّر نظرتها إلى الحياة من خلال عدسة الكاميرا.
وخلال شرح فاطمة المهارات الجديدة التي اكتسبتها في مجال التصوير الفوتوغرافي مع مشروع «حياتي» الممول من الاتحاد الأوروبي، أكدت أنها ترنو إلى الشّعور بحياة طبيعيّة من دون خوف ملؤها الأوقات السّعيدة، لكن صوت الانفجارات وصافرات الإنذار والمعارك المسلّحة ما زالت تدوّي في أذنيها.
وتضيف أن حياتها تغيرت نحو الأفضل بعدما التحقت بأحداث آخرين في البرنامج التدريبي الذي تعمل على تنفيذه مبادرة «مدرستي» التّابعة لوزارة التربية والتّعليم الأردنية بدعم من اليونيسف ومن متحف الأطفال في عمان.
عن التغيّرات التي لمستها نتيجة التدريب تقول فاطمه إنها أصبحت تشعر بأنّها «عنصر مشارك في الحياة ولا تنقصني الثّقة والطّمأنينة تجاه محيطي الجديد».
ريام العسري طالبة سورية اخرى تصف الدورة التدريبية بالقول: «التحقت بالدّرس من باب الفضول، ولكنّي تمكّنت من أن أتعلّم الكثير عن بيئتي، بل أكثر ممّا كنت أتصوّر، من خلال التقاط صور للأطفال وهم يلعبون في الطّريق وصور للحياة اليوميّة وللمناظر الطبيعيّة».
وتضيف: «كنت في السابق لا أعير محيطي ايّ اهتمام، أمّا الآن فأهتم بكلّ شيء حولي».
وبرنامج «حياتي» للصّور الفوتوغرافيّة هو مشروع تربويّ جديد يرمي إلى النّهوض بالتّعايش واحترام الذات لدى الأطفال في المدارس العموميّة الأردنيّة التي تستضيف حاليّا آلاف اللاجئين. وسجّلت المبادرة المموّلة من الاتحاد الأوروبي مشاركة 500 طفل بالتقاط 60 ألف صورة، أصبحت بعضها أعمالاً فنيّة حقيقيّة وستنشر في كتاب سيوضع في متحف الأردن. وتمّ منذ بداية الأزمة السّوريّة عام 2011 تسجيل أكثر من 160 ألف طفل سوريّ في المدارس الحكومية، في بلد يشكو من ضعف الموارد الطّبيعيّة واقتصاد متعثّر.
ومنذ اندلاع النّزاع في سورية، كان التزام الاتحاد الأوروبي قويّاً في إطار «حملة لا جيل مفقود»، كما وفّر لليونيسف ولوزارة التعليم مبلغاً يفوق 150 مليون يورو. ولكن رغم هذه المساهمة للنّهوض بجودة التّعليم وللحدّ من نسب المغادرة المدرسيّة «كان التقدّم بطيئاً» وفق تصريحات المسؤولين لدى بعثة الاتحاد الأوروبي، إذ إن الفقر المدقع الذي يعانيه اللاجئون والمجموعات المحليّة يتسبّب بارتفاع نسب التسرّب من المدارس وبخاصّة لدى السّوريين
وقال ساهر فيّاض مدير مدرسة «مانية» التي أقيمت فيها الدورة التدريبية أنّ مشروع «حياتي» نجح بامتياز في امتحانه الأوّل «وعلّم الأطفال قيماً تسمح لهم بالتّعايش وبأن يصبحوا أطفالاً عالميّين ويتحرّروا من خوفهم من الآخر ليتعاونوا. كما اكتشفوا حقوق الإنسان ليصبحوا في نهاية المطاف أكثر إنتاجاً. والمشروع أعدّ الأطفال للحياة ومدّهم بمهارات الاتصال وبنى لديهم الثّقة بالنّفس».
اختصاصي التّصوير الفوتوغرافي خالد عمران الذي عمل مدرباً في الدورة يقول إن «التلامذة الذين يحضرون دروسي يهتمّون بالتّصوير الفوتوغرافي ما سمح بخلق جوّ أخويّ بين الأطفال الأردنيّين والسّوريّين».
وتنعكس نتائج مشروع «حياتي» في بوادر الثقة التي تظهر على جنان بركات، فهي على رغم انتمائها إلى الصفّ الثامن تتكلّم كأنّها نجمة سنيمائية بابتسامتها التي لا تغادر محيّاها وحيويّتها الدّائمة. كما تتمتّع بدرجة عالية من احترام الذّات. وقد حدّثتنا عن تجربتها قائلة: «آلة التّصوير ترافقني في كلّ مكان لألتقط صوراً لكلّ كبيرة وصغيرة. وكان رأي المدرّب إيجابيّاً للغاية ما جعلني فخورة بنفسي».
وتذكر جنان أنّ بعضهم حاول ثنيها عن مواصلة دروس التّصوير الفوتوغرافي لكنّها تجاهلتهم وتريد أن تتعلّم المزيد في الميدان لتصبح ربّما مصوّرة محترفة. وقالت وهي تضحك مع فاطمة وأطفال آخرين: «بدأت أحبّ التّصوير الفوتوغرافي وازدادت ثقتي بذاتي وكوّنت صداقات جديدة».