لماذا الأبيض والأسود خيار أساسي لمصوري الشوارع
لا يزال اللونان الأبيض والأسود هما الخيار المفضل لدى مصوري الشوارع وذلك لعدة أسباب. بينما في أنواع التصوير الأخرى، أصبح اللون الأحادي ذو تأثير خاص، ويعتبر التصوير الفوتوغرافي في الشوارع مختلفاً لعدة أسباب. لماذا يبقى الأبيض والأسود خياراً مفضلاً لدى مصوري الشوارع وهل هناك سبب منطقي لذلك؟
كان الأسود والأبيض بشكل طبيعي الخيار الأول للمصورين بسبب بعض القيود التقنية. حيث لم يكن التأثير قادراً على عرض الألوان وقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى قام المزيد من مصوري الشوارع باكتشاف فرص جديدة لاستخدام الألوان. ومع ذلك، فإن معظم الصور التي يتم تصويرها في الشارع يتم فيها استخدام اللونين الأبيض والأسود حتى الآن. إن التكنولوجيا الحديثة أصبحت أكثر قدرة على التقاط الألوان الموجودة في العالم الحقيقي. وإن لزم الأمر، فمن الممكن تحرير الصور لتغيير عرض الألوان في أي مكان تتخيله. كما أن التعامل مع التعقيدات الإضافية المختلفة مثل توازن اللون الأبيض أصبح أسهل، وكل ذلك بفضل الكاميرات الرقمية التي يمكن للمصور فيها تغيير تلك الإعدادات بصيغة RAW بعد ذلك. فيما يلي بعض الأسباب التي تشرح شعبية اللونين الأبيض والأسود بين مصوري الشوارع حتى الآن.
محاكاة الفنانين
إن التصوير الوثائقي هو أحد أقدم أنواع التصوير ويحاول الكثير من مصوري الشوارع تكرار أسلوب المصورين الكلاسيكيين مثل روبرت كابا أو هنري كارتييه بريسون. فحتى أواخر سبعينات القرن الماضي لم يتم تغيير أيقونات التصوير المشهورة بل استمرت عملية التقاط الصور بالأبيض والأسود. كان هناك بعض الاستثناءات مثل جويل مايرويتز أو شاول ليتر حيث كانوا رائدين بأعمالهم الملونة، ولكن كان عليهم محاربة الكثير من الانتقادات أيضاً.
لازالت أفضل الأعمال تلك التي تتم باستخدام اللون الأحادي. وبالنسبة للمصورين المهتمين في العصر الحديث والذين يبحثون عن طريقهم إلى التصوير الفوتوغرافي في الشوارع، فمن المرجح أن يقوموا باكتشاف أعمال فيفيان مير، روبرت كابا أو بروس جيلدن الذي يلتقطون صورهم حصراً بالأبيض والأسود. ومن المثير للاهتمام أيضاً، أن هناك مجموعة من الصور الملونة لفيفيان مير لكنها في غالبها لم تحظى بشعبية كافية، حيث طغت أعمالها أحادية اللون على أعمالها الملونة.
بالنسبة لمصوري الصور الشخصية أو الصور الطبيعية هناك عدد من الأيقونات مثل سيباستياو سالغادو أو هيلموت نيوتن الذين قاموا بالتقاط صور مثيرة للإعجاب بالأبيض والأسود. ولكن بالعودة إلى الوراء، فإننا يمكن أن نرى بأن الأعمال الملونة قد هيمنت على العقود الماضية. وعلى النقيض من ذلك، لم يقم مصورو الشوارع بالانتقال إلى نمط آخر بشكل كامل، وبالتالي فإن المبتدئين سيقومون على الأغلب بتجربة الصور أحادية اللون أولاً حيث يحاكون بذلك المصورين الذين يقومون باتباعهم.
التركيز على الموضوع
بغض النظر عن هذه الحقيقة التاريخية، فإن هناك بعض الخصائص التي تجعل الأبيض والأسود أمراً ذو فائدة مقارنة مع اللون البديل. إن التصوير الفوتوغرافي في الشارع هو أحد أصعب أنواع التصوير كما أنه بحاجة أكثر للسرعة ويتطلب العمل ضمن وقت محدد. فالمصورين ضمن استوديو يمكن أن يستغرقوا الوقت الذي يحتاجونه لإخراج صورهم بعناية فائقة، في حين يجب على مصوري الشوارع أن يقوموا بالتصوير في الشارع بسرعة كبيرة.
إن هذا الأمر قد يكون صعباً للغاية ولا يقدم النتائج التي يتوقعها مصوري الشوارع. ففي كثير من الأحيان، تشعر بأنه بإمكانك مراقبة مشهد جميل يثير اهتمامك حقاً، ولكنك تواجه مشكلة مع الأشياء التي تظهر في الخلفية. يمكن للأجسام الملونة بشكل خاص أن تشتت انتباه المشاهد. ولاستعادة التركيز الأصلي للصورة يعتبر من المفيد أن يتم عرض الصورة باللونين الأبيض والأسود.
بهذه الطريقة يظهر المحتوى ويصبح الإطار أو التأثير السينمائي أقل أهمية. بما أن التصوير في الشارع يحاول في كثير من الأحيان أن يظهر قصة ما أو التفاعل بين الناس، فإن الجمال البسيط الموجود في الصور الشخصية مثلاً يمكن أن يكون أفضل في الصور بالأبيض والأسود حيث تساعد على تأكيد المحتوى من خلال التخلص من تشتيت الألوان.
ضوء دراماتيكي
في كثير من الأحيان لا يعتبر الجمال بحد ذاته الموضوع الوحيد في الصورة، فعلى النقيض من ذلك يستخدم الضوء كموضوع أساسي بشكل متكرر. فالعديد من الصور التي يتم تصويرها في الشارع تركز حول مواضيع تقع ضمن دائرة الضوء، في حين أن هناك جزء من المشهد مخفي في الظلام.
أحياناً يكون من المهم بالنسبة للمشاهد ألا يتم الكشف عن كل التفاصيل، وأن يبقى هناك مجال للخيال. هذا النوع من الصور ملائم بشكل كبير للونين الأسود والأبيض. كما أن زيادة التباين أيضاً قد تقدم إضافة معينة إلى هذا التأثير. فغالباً ما تكون الألوان مشتتة للغاية ويمكن أن تؤثر على غموض الجو. وفي السياق ذاته، يمكن أن تستخدم صور الظل كصور أحادية اللون. حيث تصبح الصورة ذات حدود ضيقة، ولكن إن تم العمل عليها بشكل جيد فإنها من الممكن أن تشجع خيال المشاهد.
التأثير السينمائي
عندما بدأت رحلتي في التصوير الفوتوغرافي، لم أكن أرغب في استثمار الكثير من المال في الكاميرا. ونتيجة لذلك، أصبح ضجيج أيزو ISO واضحاً للغاية، وخاصة في حالات الإضاءة الخافتة. أثناء العمل على اللون، يمكن أن يصبح ذلك مشتتاً للغاية كما يقلل من الجودة الشاملة للصورة. أما في الصور بالأبيض والأسود يمكن التخلص من الضجيج بشكل بسيط، لأنه يشبه التأثير التناظري القديم. كما أنك لست بحاجة إلى X100F لتبدأ. حيث تعمل RicohGr حتى في حالات الإضاءة الخافتة عند استخدام التأثير السينمائي.
في وقت لاحق، لم يعد الضجيج مصدراً للإزعاج بسبب انخفاض جودة الكاميرا ولكنه أصبح خياراً جمالياً. لقد أصبح من الأسهل محاكاة تأثير Tri-X القديم مقارنة مع كوداكروم Kodachrome الشعبية. أصبح اللون يؤثر في الكثير من المتغيرات التي تجعل من المستحيل تقريباً محاكاتها بكفاءة. وأدى ذلك إلى تطوير إعدادات التأثير المسبقة مثل حزمة سيلفر إفيكس. حتى بالنسبة للتأثير السينمائي الكلاسيكي، أصبح اللون الأحادي ذو تأثير أكبر وأسهل عند التكرار مقارنة مع بديله الملون.
يجب أن تتطابق الألوان
في حين أن الضوء والظلام يمكن أن يصبحا موضوعان منفصلان، فإن الألوان تلعب أيضاً دوراً هاماً في الصور الملونة. وكلما قرر المصور عدم استخدام الصور أحادية اللون، فإنه يجب مراعاة ألا تكون الألوان بالصورة موجودة بشكل عشوائي. حيث يجب أن تحمل معنى وأن تضيف شيئاً إلى مكان الحادث كما لو أن المصور قد رسم المشهد بنفسه. وإلا، لماذا يجب أن تكون موجودة؟
يجب أن تتطابق الألوان بطريقة أو بأخرى. كأن يكون أحد الألوان حاضراً بشدة ضمن الصورة، أو أن تكون الألوان المختلفة متناسقة فيما بينها بشكل متوافق. لكن استخدام اللون فقط بسبب عدم جدوى اللونين الأبيض والأسود لا يكون أمراً نافعاً للغاية. حيث يعتبر اللون معقداً للغاية، وخاصة في بعض الحالات التي لا يمكن فيها السيطرة عليه مثل التصوير في الشوارع. وبسبب ذلك، يعتبر اللونين الأسود والأبيض الخيار “الأسهل” في أغلب الأوقات، الأمر الذي يقلل من تعقيد وصعوبة الصورة كما أنه يبقى الخيار المفضل لدى مصوري الشوارع.
هل خيار الأبيض والأسود هو خيار سهل؟
غالباً ما يتم استخدام الصور بالأبيض والأسود بشكل خاطئ حيث يتم تحويل الصورة الملونة بشكل سيء إلى صور أحادية اللون على أمل أن تعطي نتائج أفضل. لا شك أن اللونين الأبيض والأسود يجعلان إخفاء الأخطاء أمراً سهلاً، ولكن الصورة السيئة تبقى سيئة ولا تتحسن عند تحويلها إلى صورة أحادية اللون. كما أن الصورة ذات اللون السيء تفتقر إلى العمق وهو أمر يصعب تجاوزه فقط بمجرد تحويل اللون.
بشكل عام، أنصحك بالتفكير في النمط الذي ستختاره قبل التقاط الصورة. فجميع الاختلافات والتباينات مميزة وغير قابلة للتعديل بمجرد نقرة بسيطة ضمن مرحلة ما بعد الإنتاج. عليك أن تراقب العالم بشكل مختلف جداً. مع اللونين الأبيض والأسود ستركز أكثر على الضوء والظلال، في حين أن الصورة الملونة تتطلب منك الانتباه إلى أي مزيج من الألوان المزعجة والذي يمكن أن يشوه الصورة التي تقوم بالتقاطها. ومع ذلك من المهم أيضاً استخدام كمية كبيرة من الأبيض والأسود في وسائل التواصل الاجتماعية كل يوم. فالابتعاد عن الفوضى يعتبر أمراً صعباً وخاصة عند امتلاكك لخيار إظهار فروق اللون الرمادي فقط. فمن السهل أن تضيع في مجموعة متواضعة من الصور أحادية اللون. لذلك يجب عليك تطوير نمط الصور الذي يميزك عن البقية.
وفي كلتا الحالتين، قم بتثبيت نمط معين لعدد مقبول من الصور ولا تقم بالتبديل بشكل دائم. قد يكون الأبيض والأسود لونان كلاسيكيان مواكبين للموضة دائماً، ولكن فيما يتعلق بالألوان في صور الشوارع يمكنك تقديم ما يميزك بأسلوب فريد. كما يمكنك مشاهدة عشرة نصائح لتصوير شوارع المدينة مهمة.