سارة عابدين
تعد الصورة انعكاسا لوجهة نظر المصور الذي التقطها، لأن اختيار زاوية التصوير يكشف عن أيديولوجية المصور، التي تظهر عن طريق الإضاءة والمجال وتوقيت التقاط الصورة، بالإضافة إلى الإيحاءات التي تحملها الصورة والسياقات الاجتماعية والثقافية والإنسانية التي التقطت فيها الصورة.
يظهر كل ذلك عبر الانتقاء أو العزل عن المساحة المحيطة، التي تمنح الصورة التأويل أو التوجه المرغوب، دون أي ملاحظات كلامية، وتتمثل مسؤولية المصور في التقاط صور تتماشى مع اعتقاده الإنساني أو انتمائه السياسي، لأنه عن طريق اختيار زاوية التصوير يقرر المصور الرسالة التي يرغب في إيصالها للعالم.
ومن هنا تأتي أهمية الصورة الفوتوغرافية في توثيق الأحداث والمشاعر والأفكار، لأنها تشكل الجزء الأكثر وضوحا في الذاكرة؛ لذلك أحدث التصوير الفوتوغرافي الوثائقي موجات كبيرة من التأثير، باعتباره وسيلة لإخبار الحقائق في الأوقات الصعبة حين يتعذر الكلام، أو وسيلة لكشف المشاهد المزعجة وزيادة الوعي بأمور مثل الفقر والجوع والحروب والكوارث الإنسانية لإعادة تشكيل الرأي العام المحلي والدولي.
قوة الصورة كأداة توثيق
تكمن أهمية الصورة في التقاط المصور المشاعر الإنسانية المختلفة، وإلهام المتلقي لإحداث تغيير، بالإضافة إلى التواصل العاطفي البصري الذي يعد أكثر طرق التواصل صدقا وتعبيرا.
وهناك الكثير من التساؤلات التي تطرحها الصورة، مثل: هل تمثل الصورة حقا موضوعها؟ وكيف تعبر عن الحدث الأكبر أو السياق الأكثر شمولا؟ وأهمية اللحظة التي يتم توثيقها بالصورة؟
ورغم أنه يبدو من الصعب تعريف التصوير الوثائقي، لأن -بطريقة ما- كل صورة فوتوغرافية توثق شيئا ما، فإن الاختلاف يكمن في أن التصوير الوثائقي يقوم على مشروع طويل الأمد، لتوثيق الأحداث، وغالبا يتطلب ذلك النوع من التصوير معايشة حقيقية للأحداث من قبل المصور.
يقول المصور بريندان إسبوزيتو -كبير مصوري جريدة “سيدني مورنينج هيرالد”- “عليك أن تغمر نفسك تماما في محيطك حتى ينسى الموضوع وجودك، وأن تصبح مجرد ذبابة على الحائط”. والمقصود هنا أن ينغمس المصور تماما في الأحداث ويتركها تحدث ليصورها دون أي تدخلات، ليصل إلى الحقيقة قدر الإمكان، لأنه في عالم متخم بالصور غير المهمة وغير الحقيقية أصبح فن التصوير الوثائقي أهم من أي وقت مضى، فهو يسمح بقليل من الهدوء والتأمل في هذا العالم المتسارع، المليء بالأشخاص الذين يصرخون على بعضهم البعض دون توقف.
أخلاقيات التصوير الفوتوغرافي
الأخلاقيات هي المبادئ التي توجه كيفية التقاط الصورة ومشاركتها، وهي ذاتية، وسائلة، وتختلف حسب السياقات الثقافية والاجتماعية والجغرافية. ما هو أخلاقي في بلد يمكن أن يكون لاأخلاقيا في بلد آخر. وما هو متاح في التصوير الفني يمكن أن يختلف عما هو متاح في التصوير الصحفي.
ورغم اختلاف كل تلك السياقات، فإن هناك خطوطا رئيسية لا تتغير عند استخدام التصوير الفوتوغرافي، وتتعلق هذه الخطوط بمفاهيم مثل الكرامة والاحترام والمسؤولية وكيفية تطبيق تلك المفاهيم أثناء التصوير.
يبحث بعض المصورين عن الصورة المهمة المؤثرة في المقام الأول، في حين يفكر آخرون في أخلاقيات الصورة قبل أي شيء. فمتى يكون من المقبول التقاط صورة لشخص ما ونشرها؟ سهلت منصات التواصل الاجتماعي نشر الصور بلا رقابة، بالإضافة إلى تزايد عدد أجهزة التقاط الصور بمعدل سريع لا يمكن إيقافه.
مع ذلك الانتشار، وتوفر طرق متعددة لتعديل الصور والتلاعب بها معالجتها؛ أصبح هناك العديد من اللقطات التي يمكن أن تغير الواقع، سواء على أغلفة المجلات أو مواقع الإنترنت أو وسائل الإعلام؛ وهنا يظهر سؤال آخر: هل يجب السماح للتصوير الفوتوغرافي بعرض الواقع فقط، أم أنه من المقبول تغيير الصور لأغراض العرض؟ وإذا كان التلاعب مقبولا فما حدوده؟
كل الأسئلة التي تطرح عن أخلاقيات التصوير الفوتوغرافي أسئلة جدلية يصعب الإجابة عنها بشكل محدد، لكن مع بعض التفكير يمكن إنشاء مجموعة من المبادئ والقواعد الأخلاقية التي تساعد المصورين في تحديد ما هو مقبول وغير المقبول، بسبب تحول وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي إلى أداة قوية للتأثير على الأشخاص والتلاعب بهم.
فيلم مئة ثانية
يعد فيلم مئة ثانية واحدا من أهم الأفلام القصيرة التي تناولت أخلاقيات التصوير الفوتوغرافي، وتدور قصة الفيلم حول مصورة صحفية تختبئ خلف سياج ما وتلتقط الصور، ومن خلال مخبئها تشاهد جنديا يعترض طريق فتاة صغيرة ويجذب الكيس الصغير الذي تحمله، ويصبح التعامل من الجندي أكثر عدوانية ناحية الفتاة الصغيرة، ويستمر في جذب كيسها الصغير ويوجه لها بندقيته، في تلك اللحظة تتلاقى نظرات الفتاة الصغيرة والمراسلة الصحفية؛ تتوقف المراسلة ثانية واحدة للتفكير، ثم تستمر في التقاط الصور.
يعرف المشاهد بعد ذلك أن المصورة ستتسلم جائزة عن صورة ما، وأثناء استعدادها للحفل تستعيد المصورة لقطات عنف الجندي ضد الفتاة، في الوقت الذي يصفق لها الجمهور على اللقطة التي نالت عنها الجائزة، تظهر على الشاشة الكبيرة أمام الجمهور صورة الفتاة الصغيرة ميتة بطلقة في الرأس؛ فتخرج المصورة من القاعة وهي تبكي دون أن تتسلم جائزتها.
الفيلم -رغم قصره- يطرح سؤالا كبيرا: لماذا لم تساعد المصورة تلك الفتاة؟ أو هل التقاط الصورة وتوثيقها أهم من حياة الفتاة؟ وهذا السؤال على بساطته ما زال سؤالا جدليا ليست له إجابة واحدة؛ إذ إن إجابته تكمن في عقل وعقيدة وأفكار كل مصور، خاصة أن الجمهور في نهاية الأمر لا يعرف الحكايات التي تدور وراء الصورة، أي أن ضمير المصور يكون -غالبا- الحكم الوحيد الذي يحتكم إليه أثناء عمله.