التصوير الفوتوغرافي في العالم العربيّ: صورة لم تكتمل
تاريخ النشر: 07/10/2010 – 01:07
ميلود بن علي – كاتب من الجزائر
ننظر اليوم بكثير من الإعجاب إلى هذه الآلة الصغيرة التي تُوقف الزمن وتنتصر على النسيان، ولعل هذه الآلة جاءت كي تكلل تاريخا طويلا للإنسان الصانع بدءا بالحجر المصقول الذي رسم به الإنسان على الكهوف ثم الألوان النباتية التي لون بها بعض رسوماته مرورا بكل أدوات الرسم …
عرفت مبادئ التصوير الأولى في عهد أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد وبالتحديد مبدأ الغرفة المظلمة وبدأ هذا المبدأ يجد له استعمالات في فن الرسم بعد أن أوصى ليوناردو دافنشي سنة 1490م بمراقبة الصور المضيئة التي تنعكس داخل غرفة مظلمة لمشاهد تقع خارجها والتي تتكون بفعل أشعة الشمس التي تمر عبر ثقب في جدار هذه الغرفة، بعدها أدخل جيروم كاردان سنة 1550م على هذا المبدأ العدسة البصرية محدبة الوجهين التي كانت تستعمل لتصحيح أخطاء النظر…
استمرت بعدها الجهود للحصول على غرفة مظلمة أصغر حجما …
سنة 1826م حصل الفرنسي جوزيف نيسابور نييبس على أول صورة لمنظر طبيعي كانت تطل عليه أحد نوافذ منزله بجنوب فرنسا واستغرق معه التقاط الصورة ثمانية ساعات من التعريض، لكن بقي عليه أن يثبَت الصورة وتوالت الجهود بعدها لتثبيتها لمدة طويلة أُستعمل خلالها بياض البيض وأملاح كلوريد الفضة والجيلاتين وبودرة البطاطس وبعدها بعقود كثيرة وصلت جهود العلماء والمصنعين إلى أشياء لم تتصورها الأجيال الأولى قط…
في أوربا ظهرت أول صورة سنة 1826م وأولى آلات التصوير المصنعة سنة 1924 وهي الكاميرا لايكا 35 مم التي ابتكرها الألماني اوسكار وأُستعمل لفظ فوتوغرافيا لأول مرة سنة 1839 وهو مصطلح مأخوذ من اللغة اللاتينية مكون من شقين graphy وتعني الرسم و photo تعني الضوء أي أن فوتوغرافيا تعني الرسم بالضوء …
ولادة التـصوير في العـالم العـربي
من العسير جدا أن نجد أرقاما مضبوطة في العالم العربي تخص تاريخ التصوير فيه فلا مجلات متخصصة ولا متخصصين ولا متاحف لهذا الفن، كان تأسيس المؤسسة العربية للصورة – مؤسسة الحفاظ على التراث العربي المصور- في بيروت سنة 1997 قد حمل لنا بعض العزاء إلا أنها وحسب موقعها لم تقم ومنذ تأسيسها إلى اليوم أي خلال اثنى عشر عاما إلا ببضع معارض في ثلاث دول عربية فقط.
ألتقطت أول صورة في الوطن العربي في مصر بحضور محمد علي باشا في الرابع من شهر نوفمبر سنة 1839 م أي بعد أربع أشهر من إيداع داغير لاختراعه – آلة التصوير الأولى – في أكاديمية العلوم بفرنسا، كان هذا في الإسكندرية ومنها انطلقت أول مجموعة مصورين فرنسيين الى الشام وفلسطين، كُتب الرحلات المنشورة في أوربا وروسيا للمستشرقين في عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر التي تصف سحر الشرق ولوحات الرسامين التي تنقل هذا السحر حثت أكثر المصورين على اكتشاف العالم العربي، الوسيلة تغيرت فقد انتقل الغربي أو المستشرق من القلم والريشة الى آلة التصوير لكنه للأسف حافظ على نفس الرؤية- خاصة الجيل الأول من المصورين- إما استعلائية وإما عجائبية.
سنة 1844 قام جورج سكين كيث بتصوير البتراء التي نُشر عنها أربع كتب أو خمسة سنوات العشرينيات والثلاثينيات من القرن التاسع عشر عل أهمها وأولها ما نشره المستشرق السويسري جون لويس بوركاردت سنة 1823 م، لحق بكيث عدة مصورين من بينهم جيمس غراهام وهو أول مصور يقيم في القدس، ويفتح بها أستوديو في أوائل الخمسينيات من القرن التاسع عشر، سنة 1855 م كلفت وزارة التربية الفرنسية المصور الفرنسي أوغسست سالزمان بمهمة وصفت بأنها ” علمية تمدينية ” حيث قام بدراسات تصويرية في القدس وما جاورها ملتقطا ما يقارب 174 صورة طُبع بعضها في كتاب صدر في باريس سنة 1856م، وقد نال المصور الجائزة الذهبية للقطاته البانورامية لمدينة القدس وذلك في معرض باريس الأول للتصوير، وظلت القدس لسنوات طويلة القبلة الأولى للمصورين الأجانب ( لويس دوكلارك و دوق دولين… ) وقد قدر عدد المصورين الفوتوغرافيين الذين صوروا في مدينة القدس في القرن التاسع عشر بأكثر من 300 مصور، ولا عجب أن يكون للقدس وما تمثله من قدسية لجميع الأديان الحظ الكبير من تاريخ التصوير في الوطن العربي، وفي هذا الإطار لابد من الإشارة بشكل خاص الى المصور الروسي المقيم في لوزان غابرييل دي رومين الذي رافق الدوق الروسي قسطنطين، ابن القيصر نيقولا الأول، في رحلته الى القدس خلال 1857- 1859 م.فقد التقط دي رومين الكثير من الصور التي سرعان ما صدرتفي باريس في “لا غازيت دو نورد” لتثير الاهتمام أكثر بالشرق…
وفي بيروت استقر المصور الفرنسي ف.بونفيس مع زوجته وابنه سنة 1867م وأنشأ أستوديو في محلة باب إدريس ليصبح على مدى أربعين سنة من أهم استوديوهات التصوير الفوتوغرافي في المنطقة، وكان بونفيس قد جاء لبنان في العشرين من عمره ضمن القوة العسكرية التي أرسلتها فرنسا في 1860 م لوقف الحرب الأهلية هناك والتي ضمت بعض المصورين من بينهم المصور المعروف غوستاف لوغري، ولكن بونفيس أحب لبنان وآثر ان يعود لاحقاً مع زوجته وابنه ليستقر فيها، بعد عدة سنوات من استقراره في بيروت(1871) كتب بونفيس لـ “الجمعية الفوتوغرافية الفرنسية” أن لديه 591 صورة أصلية عن مصر وفلسطين وسوريا ولبنان مع آلاف النسخ.
ومع ان بونفيس اضطر للعودة الى فرنسا في 1878 م بسبب مرضه الا أن زوجته وابنه أدريان بقيا في بيروت ليطورا العمل في هذا الأستوديو الرائد، الذي أصبح أرشيفاً للصور الفوتوغرافية عن المشرق، حيث ضم مصورين محليين إليه (لويس صابونجي وحكيم)، وقد بقي هذا الاستديو قبلة الزوار وحاضن الصور الفوتوغرافية عن المشرق حتى 1918 م، حين توفيت السيدة بونفيس وآلت ملكيته الى مصور أرمني، يقول بونفيس في كتابه ” ذكريات الشرق “- الذي جمع كثيرا من صوره – عن التصوير والوطن العربي في ذلك العصر : ” كل شيء يبدو ثابتاً في الشرق حتى في التفاصيل الدقيقة، عشرون قرناً مرت دون أي تغيير في شكل أو ديكور هذه الأرض الفريدة، لذلك علينا العمل بسرعة للتمتع بهذه المناظر، فالتقدم سوف ينهي هذه المشاهد ويدمرها، والمدينة التي تدخل في كل منحى من مناحي الحياة سوف تنهي في هذه البلاد – كما أنهت في بلاد أخرى خصوصيتها ”
في نفس الوقت الذي كان بونفيس يستقر في بيروت كانت الاكتشافات في علم الآثار في مصر وأعمال افتتاح قناة السويس تجتذب إليها عشرات المصورين الأوربيين …
كانت أول مدرسة لتعليم التصوير الشمسي في العالم العربي في مدينة القدس، فقد افتتح الأسقف الأرمني يساي غرابيديان المدرسة في أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر وتخرج منها مصورون ما لبثوا أن حلوا محل المصورين الأجانب وسيطروا على السوق التجارية في أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الحالي. وكان غرابيديان قد أمضى شبابه في اسطنبول ثم توجه إلى القدس سنة 1844م حيث بدأ الدراسة وبقي في المدينة حتى سنة 1859م، وأمضى تلك الفترة في تجارب عن التصوير الضوئي في كاتدرائية سانت جيمس للأرمن، وعاد الى اسطنبول سنة 1859م حيث أمضى أربعة أشهر تدرب فيها على أساليب التصوير وعاد إلى القدس، وتوجد الآن مجموعة من الصور التي وقعها العام 1860 م تحتفظ بها الكنيسة الأرمنية في القدس، وفي سنة 1863 م توجه غرابيديان إلى أوروبا حيث زار لندن وباريس وأطلع على أحدث الأساليب في صناعة الصور، وبعد عودته إلى القدس سنة 1865م عُين بطريركاً إلا أن ذلك لم يحل دون مواصلة نشاطه في التصوير ، وقد أشار الرحالة الفرنسي جول هوش سنة 1844 إلى دور يساي غرابيديان في تدريس التصوير بقوله : ” في استديو البطريركية الأرمنية يدرس يساري غرابيديان بعض الشباب الأرمن من أنحاء الإمبراطورية علم التصوير، وخلال فترة توليه مهام البطريركية الأرمنية (1865 – 1885) ازدهر فن التصوير الفوتوغرافي فيسورية وتفوق من بين تلامذة غرابيديان كل من الأخوين غرابيد وكيفورك كريكوريان وأول فنان فوتوغرافي عربي محترف خليل رعد. وكان كيفورك كريكوريان يعمل في استديو الكنيسة الأرمنية ويلتقط صوراً (بورتريه)، كان يطلق عليها اسم “صورة الهيئة” وكان يوقع صوره على الشكل التالي : كريكوريان مصور شمس، القدس الكنيسة الأرمنية .”
هكذا ولد التصوير في الوطن العربي وان أردنا أن نكون دقيقين أكثر فهذه المرحلة سجلت ولادة الوطن العربي في الصورة الفوتوغرافية …
عصر الصورة … عصر الـرؤيـا … هل للعرب مكان ؟؟؟
كان العالم ولعصور طويلة بعد بطليموس يظن ان العين ترى بواسطة أشعة تنبعث من العين نفسها لكن الحسن بن الهيثم
هو أول من قال أن العين ترى طبقا للشعاع الساقط عليها وشرح هذا مع جل مبادئ علم البصريات الذي أسسه في كتابه المناظر الذي صدر في بغداد سنة 1021 م وترجم بعدها الى اللاتينية ثم الى الاسبانية والايطالية والفرنسية والانجليزية وشكل المرجع الوحيد في هذا العلم طوال قرون عديدة والأساس الذي بنى عليه الغرب كل تصوراتهم وانجازاتهم في علم البصريات من هذا الكاميرا أو” القمرة ” الكلمة ذات الأصل العربي التي تعني : الحجرة شديدة الظلام … من هنا غط العرب والمسلمون في نوم عميق استغرق قرونا طويلة ولم يستيقظوا الا والصورة قد تسللت من أداة علمية الى أداة تسلية الى وسيلة اتصال جماهيري ثم كفن قلب معايير كل الفنون البصرية…
صلاح حيدر – العراق
يقول أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد: ” ان التفكير مستحيل من دون صور ” تعزز هذا أكثر بعدما دخلت الصورة في كل شيء وصارت المفردات الفكرية للإنسان المعاصر عبارة عن صور، وجاءت الصورة بكل خصائصها وخاصة المعرفية منها لتنهي عصور طويلة ومتعِبة من البحث في كل ما هو فكري فقط فهاهو انتونان آرتو يقول سنة 1930 م: ” الفكر الواضح ليس كافيا، انه يحدد عالما تعرض للاستهلاك تماما، ماهو واضح هو ما يمكن الوصول اليه مباشرة ” …
اليوم تصنع الصورة الحياة الحديثة كفن أو أداة تواصل أو حتى كأداة تسلية فأي مكان تحتل الصورة في حياة العرب الحديثة – وهم الذين مهدوا لها – ؟؟ وهل توجد حياة حديثة في الوطن العربي تحتفي بالصورة كأحد أشكالها ؟؟
لم تستطع الصورة في الوطن العربي أن تجد لها نفس المكان الذي وجدته في الغرب لأسباب تتعلق تارة بالصورة في حد ذاتها فالصورة في الغرب أتت بعد تراكم طويل لكثير من الفنون البصرية فعين الغربي قد تربت على النحت والرسم والمسرح والسينما وأتت الصورة في الوطن العربي ولم تجد الا تجارب غير كاملة لبعض الفنون البصرية وعين العربي لم تتعود حتى على رؤية أشكال هندسية منتظمة … وتارة أخرى تتعلق بعلاقة العرب بالصورة فهناك من لا يزال يسأل هل الصورة حلال أم حرام ؟ وهناك من جزم منذ زمن بأنها حرام و هناك من يسأل هل التصوير فن أم انه تابع للطباعة والأعمال التقنية ؟
ان حضور الصورة الفنية مرتبط بوجود حياة حديثة وأشك في أننا نحن العرب استطعنا أن نبني خلال أكثر من نصف قرن من الاستقلال ما يسمى بحياة حديثة، فمشاكلنا مازالت مشاكل معيشية، أمنية، دينية في أحسن الأحوال …
رغم توفر الانترنت وانتشار آلات التصوير الا أن هذا ساعد أكثر على كثرة الهواة وتهلهل المشهد المشتت أصلا، ويعزو بعض المهتمين بالتصوير تأخر نضج التجربة الفوتوغرافية العربية الى غياب أو ضعف النقد الا أن النقد وحده لا يشكل الا سببا بسيطا خلف أسباب عدة أهمها غياب قواعد لمشهد فوتوغرافي مُفترض فمثلا الكثير من الفنانين الفوتوغرافيين العرب القادرين على اضافة الكثير للتجربة العربية يتكونون في أوربا وينتمون الى جمعيات أوروبية ويعرضون أعمالهم خارج الوطن العربي وذلك لغياب صالات العرض والمجلات المتخصصة واهتمام وزارات الثقافة في الوطن العربي بفنون أقدم، أما ما يعرض بصفة عامة في التحمعات والمعارض المتاحة فجزء كبير منه تسجيلي لا يعدو أن يكون اعادة انتاج آلية للواقع، ويغلب التصوير السياحي على المشهد المفترض …
و اذا تأملنا جيدا المشهد الفوتوغرافي العربي المفترض وجدناه أقرب الى مشاهد فوتوغرافية منه الى مشهد واحد وما ينقص في مشهد يحضر في المشهد الآخر وما يختفي في مشهد يحضر بحياء في المشهد الآخر … فهناك المشهد الخليجي الذي وان توفرت فيه كثير من الأسباب للنجاح : جمعيات تصوير ناشطة، دور عرض، منابر إعلامية متخصصة، خلافا للمسابقات التي تقام دائما على هامش معارض التصوير، إضافة إلى أهم مسابقة في الخليج وفي الوطن العربي ومن أهم المسابقات في العالم : جائزة آل ثاني التي تعد أكبر جائزة عالمية في التصوير من حيث قيمة الجوائز المقدمة … رغم هذا فنتاج المشهد في الخليج يترنح بين التقليد والتقليدية…
طريق بغداد – حلب 1916
المشهد في مصر والشام يبدو أحسن رغم عدم توفر كل إمكانيات الخليج، المصورون هنا يهتمون أكثر بالمناظر الخارجية و بالتصوير بالألوان، ويصنع التصوير السياحي جزءا كبيرا من المشهد، أما إعلاميا فيقوم برنامج لقطة الذي تبثه قناة النيل الثقافية أسبوعيا بتغطية رائعة لمعارض التصوير في مصر، ولعل أهم شيء يذكر في هذا المشهد هو قبول وزارة الثقافة المصرية قبل أسابيع قليلة – المقال كتب في 18/08/2009 – اقتراحا بإنشاء متحف للصور الفوتوغرافية …
فلاحون مصريون – النيل
نصل إلى المغرب العربي لنجد المشهد شبه خال من المصورين المحترفين الذين ينشطون خارج بلدانهم، يستهويهم أكثر البورتريه والتصوير بالأبيض والأسود لكن الجمعيات في المغرب العربي أقل نشاطا بكثير من مثيلاتها في المشرق العربي، ولا نجد جائزة واحدة مشجعة في التصوير الفوتوغرافي في كل بلدان المغرب العربي، يحسب طبعا للمشهد المهرجان الدولي للتصوير الفوتوغرافي الذي أقيمت طبعته الأولى في شهر ماي الماضي في المغرب …
نور الدين الغماري – المغرب
ومما ساعد على بقاء المشهد مشتتا غياب منابر إعلامية متخصصة، الا أن هذا يندرج ضمن مشكلة أعم هي أزمة الإعلام الثقافي المتخصص في العالم العربي.
و عل نقص التكوين التقني تارة والفني كثيرا للمصورين وغياب جمهور لهذا الفن هما أهم سببين متعلقين بهذا الفن في حد ذاته – في العالم العربي عامة – جعلاه يتقدم بخطى ثقيلة…
** مصور وناقد فوتوغرافي جزائري