جمال الأصباغ
كيف افتتن الإنسان بجمال الطبيعة؟!
الصبغ.. مركب كيميائيّ يستخدم في إنتاج ألوان تبقى طويلاً على سطح المواد. وتَستخدم صناعة الغزل والنسيج الصبغ في تلوين الخيوط والغزل والقماش. كما يستخدم أيضا في صناعة الأغذية والفراء، والحبر والجلد والورق والبلاستيك والخشب. حتى نهاية الخمسينيات من القرن التاسع عشر كانت جميع مواد الصباغة تصنع من المصادر الطبيعية مثل الأجزاء المختلفة من النباتات أو من بعض الحيوانات. ثم أنتَج علماء الكيمياء في القرنين التاسع عشر والعشرين أصباغًا مستخرجة من مواد صناعية. وتحتفظ هذه الأصباغ بألوانها بشكلٍ أفضل من الأصباغ المستخرجة من المواد الطبيعية كما أن تكلفتها أقل. وفي الوقت الحالي تعتمد الصناعة إلى حد كبير على الأصباغ المستخرجة من مواد صناعية.
اكتشاف الصباغة
لم يكن هناك زمنا محددا عرف فيه الإنسان عملية الصباغة غير أنه افتتن منذ نشأته بجمال الطبيعة فعمل على تقليدها وقام بتلوين جلود الحيوان والخامات التي كان يتخذ منها ملبسا وذلك بدلكها بالثمار الملونة، ثم اكتشف المواد الصبغية الموجودة في بعض النباتات مثل الجهرة والكركم وقشر البصل وهذه تعطي اللون الأصفر ومشتقاته، والنيلة تعطي اللون الأزرق وقشر الرمان وخشب البرازيل تعطي اللون الأحمر ومشتقاته.
حيث بدأ الإنسان في صباغة الأقمشة والمواد الأخرى منذ ما يربو على 5000 عام. كما استخدم العاملون في الصباغة المواد الكيميائية المثبِّتة للألوان على مدى آلاف السنين. وقد اكتشفت الصبغات التركيبية عام 1771 من تحضير حامض البكريك الذي صبغ الحرير بلون أصفر، وثم اكتشف عالم الكيمياء الإنجليزي وليم بيركن في عام 1856م بالمصادفة المحضة أول صبغة صناعيَّة. وكانت هذه الصبغة المسماة موفي ذات لون أرجواني باهت. وقد أَنتج بيركن هذه الصبغة عندما كان يحاول استخراج مادة شبه قلوية من أحد منتجات صبغة قَطران الفحم وتسمى الأنيلين. وكانت ألمانيا تنتج قبل الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م) معظم أصباغ العالم، وتوقف الألمان أثناء الحرب عن تزويد الدول الأخرى بالأصباغ، ونتيجة لهذا الوضع تطورت وعلى نحو سريع. صناعة الأصباغ في بلدان عديدة. واخترع علماء الكيمياء منذ الأربعينيات من القرن العشرين العديد من خيوط الغزل والنسيج الصناعية، كما طوروا الآلاف من الأصباغ الصناعية الملائمة لهذه الخيوط.
أنواع الأصباغ
* الأصباغ النباتية والحيوانية
تستخرج معظم الأصباغ الطبيعية من أجزاء النباتات مثل قلف الأشجار، والثمار والزهور وأوراق النباتات والبذور. ويعطي نبات الفوة الهندية الذي ينمو في قارتي آسيا وأوروبا أصباغًا حمراء زاهية، تستخدم في أقمشة عديدة مثل الكتان والحرير. واستطاع سكان العديد من البلدان استخراج صبغة الزعفران وهي صبغة صفراء اللون من نبات الزعفران، واستخدموا هذه الصبغة في صباغة بعض المنسوجات مثل الحرير والصوف. وتستخرج صبغة النيلة الطبيعية ذات اللون الأزرق الغامق من شجرة النيلة التي تنمو في الهند. وتستخدم في صباغة القطن والصوف وبعض الأقمشة الأخرى، ومازالت تستخدم في صبغ قماش الدنيم القطني المتين. وتعد صبغة خشب البقم إحدى الأصباغ الطبيعية التي مازالت تستخدم حتى الآن، وتستخرج هذه الصبغة من شجرة تنمو في أمريكا الوسطى والمكسيك والهند. وتستخرج من هذه الشجرة أصباغ سوداء وبنية اللون، وتستخدم في صباغة بعض الأقمشة مثل القطن والفراء والحرير. وتصنع صبغة الحنَّاء ذات اللون البنيّ البرتقالي من شجيرات موجودة بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، وكانت الحناء تستخدم فيما مضى في تلوين الجلود، وتستخدم الحناء في بعض الأحيان في صباغة الشعر. أما عن الأصباغ المستخرجة من بعض الحيوانات فهي تشمل الصبغة القرمزية والأرجوان الصوري. وكانت الصبغة القرمزية الحمراء تُصنَّع من البقايا الجافة لسلحفاة تعيش بالمكسيك وأمريكا الوسطى. أما الأرجوان الصوري فهو صبغة نادرة تستخرج من المحار الموجود ببحر إيجه وبالبحر الأبيض المتوسط.
* الأصباغ الصناعية
تشتمل الأنواع الرئيسية من الأصباغ الصناعية على: الأصباغ الحمضية، الأصباغ النيتروجينية أو المتطورة، الأصباغ الأساسية، الأصباغ المباشرة، الأصباغ المفتّتة، الأصباغ الممعدنة مسبقا، الأصباغ التفاعلية، الأصباغ الكبريتية، أصباغ التخمير.
صباغة النسيج
تتم صباغة المنسوجات على مراحل عديدة. وإذا تمت صباغة خيوط المنسوجات قبل تحويلها إلى غزل فإن هذه المرحلة تعرف بصباغة المادة الخام. وعند صباغة الغزل أو عند صباغة خيوط الغزل فإن الخيوط تصبغ بعد تحويلها إلى غزل. وتتم معظم عملية صباغة الغزل والمادة الخام في أوعية ضخمة. في صباغة القطعة يستخدم المصنعون الأصباغ بعد أن يتحول الغزل إلى قماش. وتستخدم صباغة القطعة بغرض التوصل إلى مرحلة ثبات ألوان الخيوط. وتقوم بعض آلات الصباغة بجذب القماش عبر حمامات معينة من الصبغة.
وتوجد في بعض الآلات الأخرى عجلات ضغط تضغط بدورها الصبغة على القماش وتتسم بعض الآلات بقدرتها على صباغة 90م من الخيوط في الدقيقة. ويقوم العاملون في الصناعة بطبع بعض التصميمات على بعض الأقمشة، وتوزع الآلة ألوانًا مختلفة على أجزاء مختلفة من القماش، وذلك عن طريق الشاشات أو عجلات محفورة عليها التصميمات المطلوب صبها على الأقمشة، وتشكل الأجزاء الملونة من القماش نمطًا أو شكلاً فنيًا محددًا، وتُعرَف عملية طباعة هذه الألوان باسم الطباعة بالشاشة الحريرية. لقد تم اكتشاف صباغة المنسوجات منذ زمن بعيد إلا أن التقدم في هذا الميدان يرجع إلى المائة عام الأخيرة فقط. ولقد تعلم الإنسان في الأزمنة القديمة أن يستخلص من الصبغات من المصادر الطبيعية، ومن أمثلة هذه الصبغات النيلة وصبغة اللعلى، وقد أعطت هذه الصبغات نتائج مدهشة ظلت كما هي سنوات ليست بالقليلة دون أن يطرأ عليها أي تغيير. ومن المواد المستخدمة في صباغة النسيج هي:
* الأصباغ الطبيعية
أول ما استخدم الإنسان من صبغات وكانت مصادرها النباتية جذورالنباتات أو بذورها، كما استخدمت بعض الحشرات كمصادر حيوانية، أما المصادر المعدنية فكانت مياه الآبار الطبيعية ولكن هذه الصبغات الأخيرة كانت تسبب ضعفا للألياف.
* الأصباغ النباتية
– صبغة النيلة (Indigo): نبات ينمو بصفة رئيسية في المناخ الحارالإستوائي لون صبغته زرقاء ثابتة اللون مشتقة من الأوراق.
– صبغة الزعفران (Saffron): نبات زرعه اليونانيون القدماء بكثرة والرومان كذلك وكانت تستخدم أعضاء التأنيث في الزهرة في استخراج صبغة صفراء.
– صبغة خشب البرازيل ( Brazil wood): إحدى أشجار الأخشاب الحمراء ويستخرج من الخشب صبغة بلون أحمر ساطع.
– صبغـة من خشب البقـم الأحمـر (Iogwoo): شجرة ضخمة استوائية والتي ينتج خشبها مدى من الصبغات باللون الأرجواني، والبنفسجي والأسود.
* الأصباغ الحيوانية (Animal dyes)، عرف الإنسان القديم الصبغات الحيوانية ولكنها كانت مكلفة ولذلك استعملها فقط الأغنياء. وألوانها كانت أكثر كثافة وتعطي ثباتا أكثر وبعض هذه الصبغات هي:
– قشور الأسماك: تعتبر صبغة رخيصة الثمن باللون الأرجواني واستخرجت من قشوربعض الأسماك في جزيرة كريت.
– دودة القرمز (Kermes): وهي عبارة عن حشرة مزخرفة تعيش على أوراق الشجيرات المنخفضة يجفف جسمها ويطحن إلى بودرة تنتج صبغة ساطعة حمراء.
– حشرة الكوكس كاكتاي (Coceus cacti): وهي دودة وجدت في المكسيك تعيش غالبا قريبة من نبات الصبار ومازال يستعمل العصير من جسم الدودة في إنتاج صبغة حمراء ساطعة.
* الأصباغ المعدنية
الصبغات المعدنية نادرة الوجود في الآثار القديمة وقد اكتشف بعض الناس في أجزاء مختلفة من العالم أن القماش يمكن أن يخضب باللون بغمسه في ينبوع أو مجرى ماء غنى بمركبات الحديد. واستعمل قدماء المصريون أيضا أكسيد النحاس الأحمر للصبغة الخضراء. ومعدن اللازورد معدن أزرق يوجد في مناجم النحاس للصبغة الزرقاء.
* الأصباغ التركيبية
قل الإقبال على الأصباغ الطبيعية نتيجة للأبحاث العلمية التي قام بها الكيمائي الإنجليزي بركين (Perkin)، ففي عام 1856 أثناء محاولاته تحضير مادة الكينين (Quinine) من الأنيلين (Analine) اكتشف مصادفة طريقة لتحضير الأصباغ كيماويا في المعمل، وكانت أول صبغة أنتجها هي الصبغة المعروفة بالموف Mauve وكان ذلك بداية الثورة العلمية في صناعة الأصباغ. وتلا هذا الاكتشاف عدد من الصبغات الزاهية من الإنيلين كما نجح الكيمائيون في تحضير عدد من الأصباغ الجديدة التي لا توجد أصلا في الطبيعة كما كان هناك اقبالا كبيرا على قطران الفحم كمادة أولية لتحضيرعدد كبير من الأصباغ الجديدة.
صناعة الأصباغ
تتم عملية الصباغة، بعد أن تذاب الصبغة أولاً، ويمتص النسيج بعد وضعه في حوض الصبغة جزيئات الصبغة التي تعطي النسيج اللون المطلوب. وتختلف المنسوجات المصبوغة فيما بينها من ناحية قدرتها على الاحتفاظ باللون. ولا يفقد النسيج ذو اللون الثابت لونه بعد الاستخدام العادي. وعلى سبيل المثال يكون النسيج قويًا ومتحملا للغسيل إذا لم يبهت في ضوء الشمس، وإذا احتفظ بلونه بعد الغسيل. وقد تؤثر بعض المواد مثل مادة الكلور والعرق على ألوان الأقمشة، ولا يتأثر عدد كبير من الأصباغ بالتغيرات التي تطرأ على اللون والناجمة عن هذه المواد.
ويضيف العاملون في مجال الصباغة مواد مثبتة للون إلى أحواض الصبغة بغرض تثبيت اللون في بعض المنسوجات. وتتحد هذه المواد مع جزيئات الصبغة وتثبتها بقوة في الأقمشة. وتشتمل هذه المواد المثبتة للون على حمض التنيك ومركبات بعض المعادن القابلة للذوبان مثل الألومنيوم والكروم والنحاس والحديد والقصدير.
السدو “بيوت الشعر”
السدو.. هو نسيج الصوف وتعتبر صناعته من الحرف التقليدية القديمة التي كانت منتشرة في البادية وماتزال، وذلك لارتباطها بوفرة المادة الأولية المتمثلة في صوف الأغنام ووبر الإبل وشعر الماعز والقطن.
ويعتبر السدو العنصر الأساسي في تكوين «بيوت الشعر» التي تعتبر مساكن متنقلة لهم تتناسب مع ظروف البيئة والحياة التي يعيشونها. كما يستخدم الصوف الأبيض دائما للصباغة أما الوبر والشعر والقطن فتظل بألوانها الطبيعية ولا تصبغ عادة، وفي الماضي كانت تستخدم الأصباغ الطبيعية المستخرجة من الأعشاب الصحراوية مثل العرجون المتواجد كثيرا في قطر وهو نبات بري حولي يعطي لوناً برتقالياً مائلاً إلى الاصفرار، لغرض صبغ الخيوط الصوفية، وكن يستعملن «الشب والفوه واللومي» لتثبيت اللون، بينما الآن فيشتري البدو الأصباغ الكيمائية وعلى الرغم من سهولة استعمالها إلا أنها غير ثابتة. تميز البيئة الصحراوية بصرامتها وهدوئها وألوانها الخالصة، وكردة فعل على صرامة هذه البيئة وألوانها، فقد كانت المرأة البدوية تتعمد استعمال الألوان الصارخة، كالأحمر والبرتقالي في منسوجاتها بالسدو، وهي الألوان التي تغلب على أقمشتها. لتعكس بذلك حساً فنياً وذوقاً جمالياً فطرياً.
المصدر: مجلة بيئتنا -الهيئة العامة للبيئة – العدد 145
فبلعتبتبلاعتفقغاىلبلاىبغفع