التصوير الفوتوغرافي بالأسود والأبيض
ظهر التصوير الفوتوغرافي قبل أكثر من قرن ونصف القرن، وكان عند ظهوره بالأبيض والأسود. وبعد أن تطوّر وصار بالألوان، نشهد اليوم عودة إلى ما كان عليه في بداياته. فقد تكرَّست العودة إلى التصوير بالأبيض والأسود في الصور الوثائقية والفنية التي لأسباب تاريخية ترتبط بالقدرة التعبيرية لهذين اللونين التي صارت مرتبطة بما شهده العالم من أحداث وتحوّلات كبرى كالحروب مع بداية انتشار التصوير والصحافة. وبات هذا النوع من التصوير اليوم أحد خيارات المصوِّر المحترف يحقِّق عبره جزءاً من خياراته الإبداعية. فالأبيض والأسود في الصورة جذَّابان، وبهما يمكن إظهار المعاناة، أو إظهار تقاسيم كبار السن من خلال ثلاثة أشياء، وهي: الحدّة وكمية الضوء وعمق المكان. وعلى الرغم من أن بعض آلات التصوير تمتلك خاصية التصوير بالأسود والأبيض، إلَّا أن بعض المصوِّرين المحترفين يلجأون اليوم إلى التصوير بالألوان ثم تحويل الصورة في ما بعد إلى الرمادي بواسطة أحد برامج تعديل الصور.
وفي السينماالأمر نفسه ينطبق على السينما، التي ولدت كالتصوير الفوتوغرافي بالأبيض والأسود، وتلوّنت في وقت لاحق. ففي السينما الحديثة هناك أيضاً عودة إلى الأسود والأبيض رغم الثورة التقنية التي تبهرنا بها سينما اليوم.
سُمِّي البحر المتوسط بالأبيض، بسبب شكله الجغرافي ومساحته. فمياهه تمتد لمسافات كبيرة، حيث إن البحّارين عندما يبحرون فيه تمتد أنظارهم لمسافات طويلة فيبدو لون الماء مائلاً إلى البياض. ومناخ منطقة المتوسط يلعب دوراً في هذه التسمية بسبب كثافة الغيوم، إذ إنّ الغيوم البيضاء تعكس لونها على البحر ليبدو أبيض. سمَّى العرب البحر الأسود بهذا الاسم، فقد كان العرب قديماً يرمزون للاتجاهات في البوصلة بالألوان، حيث كان اللون الأسود يشير إلى جهة الشمال، واللون الأحمر يشير إلى جهة الجنوب، واللون الأصفر يشير إلى جهة الشرق، والبحر الأسود يقع شمالاً ولذلك فقد ارتبط اسمه بموقعه على البوصلة. وقد يكون السبب مرتبطاً بلون مياه البحر الأسود بسبب كثرة العوالق النباتية في مياهه لأنّها عذبة بسبب مصدرها (نهر الدانوب)، ولأنّه بحر شبه منغلق.
فالمخرج تيم بورتون انتهى حديثاً من فِلم الرسوم المتحرِّكة “فرانكينويني” بالأبيض والأسود مع تقنية الـ “ثري دي”. وجاء هذا العمل بعدما طردت شركة “ديزني” تيم برتون العام 1984م، إذ اعتبرت أن تِلك القتامة الشديدة والكائنات الغريبة التي يتضمَّنها العمل لا تصلح إطلاقاً في فِلم موجّه للأطفال. ولكن بعد ثلاثة عقود من تِلك الحادثة أصبح برتون واحداً من أهم مخرجي الفانتازيا في السينما، بعد النجاح الاستثنائي الذي حقَّقه إخراجه لفِلم “أليس في بلاد العجائب”، محقِّقاً ما يزيد على المليار دولار. فعادت الشركة وطلبت منه في العام 2010م، أن يقدّم نسخة رسومية من “فرانكنويني” في ساعة ونصف الساعة، لينتصر الخيال ويذهب به إلى أبعد ما يريد. ثم أجرى تجربة إخراجية أخرى بالأبيض والأسود عندما قدَّم فِلمه (إد وود) وهو فِلم مبني على قصة حياة مخرج أفلام الرعب الرخيصة الراحل إد وود، وهو بمنزلة إعادة لاكتشاف هذا المخرج، والفِلم من بطولة جوني ديب، وسارة جيسيكا باركر. وعلى الرغم من فشل الفِلم مادياً في صالات العرض، إلَّا أنه لاقى استقبالاً جيداً لدى النقَّاد.
أما الفِلم الفرنسي الصامت “ذي أرتيست” أو (الفنَّان) إنتاج 2011م، فقد عُرض بالأسود والأبيض وحصد كثيراً من الجوائز، وهو فِلم درامي رومانسي بطولة بيجو برنيس وجان ديجردان. حصل هذا الفِلم على خمس جوائز أوسكار من بينها جائزة أفضل فِلم وأفضل ممثل لجان دوجاردان وهو أول فرنسي يفوز بهذه الجائزة. وتدور أحداثه حوالي عام 1927م، ويروي قصة ممثل يؤدِّي أدواراً في الأفلام الصامتة، وبعد اختراع الأفلام الناطقة تتقلَّص شعبيته وتتدهور أموره، بينما تتمكَّن بيبي ميلر من دخول عالم النجومية والشهرة.
وكان المخرج الأمريكي وودي آلن قد أطلق مشوار إحياء الأبيض والأسود بين عمالقة الإخراج في هوليوود عبر فِلمه “مانهاتن” العام 1979م، ليضفي مزيداً من السوداوية على الفِلم، الذي شارك آلن في كتابته وتمثيل دور البطولة فيه بجوار الممثلة صاحبة الأوسكار ديان كيتون.
كما لجأ المخرج مارتن سكورسيزي إلى الأبيض والأسود في فِلمه الشهير “الثور الهائج”، من إنتاج 1980م وبطولة النجم روبرت دي نيرو. والفِلم مبني على سيرة الملاكم المعروف جاك لاموتا “الثور الهائج: حكايتي”. ونال دي نيرو عن تجسيده لدور لاموتا أوسكار أفضل ممثل رئيس.
وسار المخرج فرانسيس فورد كوبولا على الدرب نفسه في فِلم “رامبل فيش” العام 1983م من بطولة مات يلون وميكي رورك. ثم جاء فِلم “قائمة شندلر”، للمخرج العبقري ستيفن سبيلبرغ العام 1993م أول من دق باب الأوسكار عبر شريط الأبيض والأسود في عصر السينما الحديثة. وحاز الفِلم سبع جوائز أوسكار من أصل 12 ترشيحاً.
أما فِلم “التاريخ الأمريكي إكس” 1998م، من إخراج توني كاي وبطولة إدوارد نورتون وإدوارد فورلونغ، فيُعد أحد أنجح الأفلام التي وظَّفت الأبيض والأسود في مشاهد “الفلاش باك” بداخلها. وحقق الفِلم نجاحاً كبيراً، كما ترشح إدوارد نورتون عن دوره لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيس.
ويبرز من بين أفلام الأبيض والأسود الأحدث التي حقَّقت نجاحاً كبيراً لدى النُقَّاد، رغم فشلها في شباك التذاكر، “الألماني الطيب” لجورج كلوني وكيت بلانشيت، وهو من إخراج ستيفن سوديربرج في العام 2006م. ويتناول الفِلم قصة صحافي أمريكي أرسلته صحيفته لتغطية وقائع اجتماع قمة قوات الحلفاء في بوتسدام بألمانيا، الذي عُقد لبحث سبل السيطرة على ألمانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.