تمت مشاركة منشور من قبل Fareed Zaffour.
القضاء و التشريع في أوغاريت..
……………………………………………………………………………………
غسّان القيّم
………………..……..
عرفت أوغاريت معايير ومؤسسات تشريعية حيث انطلق المجتمع الأوغاريتي في ممارسته للتشريع
وأعمال القضاء من أن الإنسان الحر هو القانون ذاته وهو في المقام الأول عضو في مجتمع معين » جماعة عائلية عشيرة ناس الملك « ولم يعترف بأنه يمكن للإنسان أن يوجد خارج هذه العلاقات والمؤسسات فهو مضطهد وليس له أية حقوق خارج الجماعة وهكذا فالقانون من وجهة نظر الأوغاريتي هو القرار الصادر عن أولئك الذين لهم سلطة على المجتمع المعني . غير أن ما قيل لاينفي واقع أنه كانت تسود المجتمع الأوغاريتي معايير أخرى تشكلت أثناء تطوره الطبيعي لتعبر عن حاجاته اليومية ولكنها لم تأت نتيجة لنشاط تشريعي واع , بل ظهرت بصورة عفوية ومن تلقاء نفسها, أما كيف استقبلها المجتمع الأوغاريتي أو ماذا كان موقفه منها ? فنحن لانعرف لأنه ليست لدينا أية إشارات الى وجود قانون مكتوب في أوغاريت وإذا كان مثل هذا القانون قد وجد فمتى وكيف تم تسجيله؟ لكن مما لا ريب فيه أن أوغاريت عرفت معايير ومؤسسات تشريعية وعند حديثنا عن نشوء المعايير التشريعية في أوغاريت ينبغي أن نشير الى أن الفعل/ /يعني يحاكم ويدير ومن هنا جاء اسم / tpt/ قاضي حاكم .فالحكم وإصدار الأحكام القضائية هما من حيث الجوهر عملية واحدة لامعنى لأحدهما بغير الآخر . ومن هنا جاءت الكلمة الأوغاريتية » mtpt « سلطة الحاكم . ويبدو أن القانون قد صنعه حكام مؤهلون لاتخاذ القرارات ومثل هؤلاء الحكام في أوغاريت هم : / الملك , ومجلس الشعب . والمجلس العسكري / الذي عالج دعاوى قضائية وبت فيها . وتبين الوثائق التي وصلتنا من أوغاريت أن المشاركين في الصفقات التجارية أي من يتمتعون بحق الملكية إنما كانوا أفراداً يعملون لمصلحتهم ويتحملون نتائج أعمالهم بمفردهم . وبالطبع كانت تقف خلف هولاء الأفراد عائلاتهم ولكن بصرف النظر عن العلاقات القائمة فعلا في العائلة فقد كان رب البيت هو الذي يتمتع بالحقوق كلها أو زوجته إذا اما شاء منحها كامل الحقوق أما الأولاد فكان لهم حق وراثته ولكنه كان يستطيع حرمانهم هذا الحق في حال خالفوا أوامره وتوجيهاته. لم يعرف التشريع الأوغاريتي بقدر ما تسمح لنا الوثائق الكتابية أن نحكم مفهوم الملكية ولم يصغ نظرية لهذه الظاهرة . ومع ذلك فقد كانت هذه الظاهرة قائمة في مجتمع أوغاريت دون أن يعيها لأنه كان يفرق بوضوح بين » خاصتي وخاصته وخاصتنا وخاصتهم «والأوغاريتين عدوا النظام القائم عملاً إلهياً من ابداع كبير الآلهة «ايل» وما يدعم هذا الاستنتاج أن الأساطير والملاحم الأوغاريتية لم تعترف بأي خلل بالنظام الكوني القائم إلا بعد موافقة » إيل« عليه , والمحاكمات في أوغاريت كانت حضورية يعرض كل من الجانبين قضية أمام القاضي ثم يصدر هذا الأخير حكمه وفي حال وجود إبهام ما واستحالة توضيح عنصر ما من عناصر القضية كان ينبغي على الطرفين أن يقسموا اليمين تحت خطر أن يحل غضب الآلهة في حال تحريف الحقيقة . وفي علاقات الملك مع الناس التابعين له بلغت فرديته حدها الأقصى وهذا لايعني بأن الفرد كان مكبلا بالمجتمع ومتلطباته ومصالحه لكنه بدا ضعيفا لا حول له ولا قوة أمام تعسف الملك ومزاجيته وعموما لم تكن العشيرة تملك دائما من الوسائل الفعالة للصراع مع الملك وتعسفه . وكان واقع استغلال الملك لها معروفا وواضحا في منطقة آسيا الأمامية المطلة على البحر المتوسط كلها . أخيراً نستطيع الآن أن نلخص المبدأ العام الذي قام عليه النظام الأخلاقي في أوغاريت وجوب عدم أذية العائلة أو العشيرة والمجتمع وضرورة أن يكون الفرد نافعا لها قدر الإمكان ولقد تطلب هذا ضرورة التقيد الصارم بالإلتزامات التي يفرضها عليه الوضع الاجتماعي الذي يشغله الفرد وتوجيه سلوكه بما يتلائم والمكانة التي يشغلها في نظام السيادة والتبعية .
عاشق أوغاريت ..غسّان القيّم