صندوق العروس أيام الزمن الجميل ..رحم الله تلك الأيام الغوالي ..لقد أصبحت من الذاكرة العتيقة ..
“صندوق الزّهاب”.. مفخرة العروس الفراتية
الثلاثاء 24 أيار 2011
للمجتمع الفراتي عاداته وتقاليده ولأعراسه وأفراحه تجهيزات خاصة، وأجواء مختلفة، ومن هذه التجهيزات “صندوق الزّهاب” (صندوق العرس)، الذي يعد تقليداً متوراثاً عبر الأجيال، ففي منتصف القرن التاسع عشر كان يطلق عليه “الغفر”، وهو مصنوع من نسيج صوف الأغنام، وكانت توضع فيه كافة أغراض البيت الثمينة، وفي فترة الخمسينيات من القرن الآنف الذكر كان ظهور صندوق العرس الخشبي المصنوع من السنديان المرصعة أجنابه بالصدف أو المرايا، وتنقش بالفضة، وذلك حسب أحوال أهل العروس.
وفي حديث لموقع eRaqqa مع السيدة “فاطم الجاسم” ذات المئة وخمس عشرة سنة، وهي من سكان ريف “الرقة”، مزرعة “حطين” تقول: «صندوق العرس مفخرة للعروس؛ فالعروس ترى نفسها بـ”صندوق الزّهاب” أمام أهلها وعريسها وأهله وجيرانها، عندما تزوجت وضعت في صندوق عرسي حاجاتي الشخصية من ثياب وقطع قماش “برادي” وصابون و”بيلون” ومشط و”محلب” (عطر نسائي من نبات طيب الرائحة)، وفي المخزن الصغير في داخل الصندوق وضعت أشياء صغيرة ناعمة من أبر ومخّاط “أداة خياطة” وكحل ومراقز وأزرار وحلي مثل “الجهاديات” وهي قطع ذهبية مدوّرة، و”المباريم” والمعاضد الفضية وكميات من السكاكر للضيافة».
وحول “صندوق الزهاب”، والعادات التي ترافق هذا الطقس، تحدث لموقعنا الباحث الاجتماعي “إسماعيل الكدي”
السيدة فاطم الجاسم |
قائلاً: «يصاحب “صندوق الزّهاب” أعمال وترتيبات تليق به لما له من معان، وما يحتل من مكانة اجتماعية، وعند وصوله إلى بيت أهل العروس يطلق الرصاص والزغاريد فرحاً بقدوم صندوق العرس فيأتي أقارب وأصدقاء وجيران العروس للفرجة والمشاهدة.
عاصرت هذه الفترة في طفولتي وكان فرحنا عظيماً عندما تقوم العروس بفتح الصندوق فنعرف حينها أنّ العروس ستعطينا بعض القطع من السكاكر أو على الأقل سنروي فضولنا في النظر في داخله».
وعن نقل “الزّهاب” إلى بيت العروس يوضّح “الكدي”، قائلاً: «في فترة الستينيات من القرن العشرين، وأثناء زفاف العروس يصعد أحد العبيد من الخدم، الذين كانوا يعملون لدى الأسر الغنية، وشيوخ العشائر والوجهاء، أو أحد أقاربها
الباحث إسماعيل الكدي |
على الصندوق ولا ينزل عنه إلا بفدية من المال يحصل عليها من أهل العريس، بعدها يحمّل “صندوق الزّهاب” على ظهر الدابة أو على ظهر السيارة إلى بيت العريس، ويتم وفق احتفالية بديعة وطقس جميل، والعروس في بيت زوجها تسرق النظرات بطرف عينها إلى الصندوق، وهي جالسة إلى جانب عريسها مفتخرة به، وتضع يدها على مفتاح الصندوق المربوط على حزامها لما له من دلائل على أنّ العصمة بيدها وهي صاحبة الشأن، ويبقى الصندوق في البيت وتحرص عليه صاحبته، فهو ذكرى عزيزة لها ولزوجها، وحتى عندما تموت صاحبة البيت تردد النساء المراثي في صاحبة الصندوق:
مفتاح صندوقك خذنّو/ عفنات ما يستاهلنّو/ يوّل ياخيتي على الدشره.
إذاً جهاز العرس الرقي، بقدر ما كان متواضعاً، لكنه كان جميلاً، ويحمل عبق التاريخ، ثم أخذ هذا الطقس يتلاشى مع كثير من عادات وتقاليد الزواج، لتحل محلها عادات وطقوس حديثة، ولم يبق فيها حالياً إلا نسخة ضئيلة من الماضي».